"نيويورك تايمز": إمبراطورية ترامب الأميركية الجديدة لن تدوم إلى الأبد
يتفاوض بعض القادة الذين يكبحون جماح استفزازات ترامب، بهدوء مع بكين وشركاء محتملين في أوروبا والشرق الأوسط، على أمل إيجاد بدائل لقوة مهيمنة يجدونها متسلطة وغير موثوقة بشكل متزايد.
-
المدمرة الصاروخية "سامبسون" بالقرب من مدخل قناة بنما في أيلول/سبتمبر، وهي جزء من التعزيزات العسكرية الأميركية في منطقة البحر الكاريبي.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً يتناول بشكل رئيسي التاريخ الحديث والمستمر للتدخل الأميركي في أميركا اللاتينية، ويستعرض ذلك من منظور أدبي وتاريخي وسياسي عبر الربط بين قصيدة روبين داريو المناهضة للإمبريالية وسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المنطقة.
أنتِ الولايات المتحدة. أنتِ الغازي المُستقبلي لأميركا الساذجة ذات الدماء الأصلية…
هكذا تُقرأ بعض الأسطر الافتتاحية لقصيدة "إلى روزفلت" للشاعر النيكاراغوي روبين داريو، التي كتبها عام 1904، في لحظة كانت فيها الزوارق الحربية الأميركية تجوب البحر الكاريبي بشكل مُنذر بالسوء. كان داريو يُخاطب الرئيس ثيودور روزفلت، الذي استخدم للتو "العصا الغليظة" للقوة العسكرية لدعم إنشاء دولة جديدة، بنما، لحماية سيطرة الولايات المتحدة على منطقة القناة هناك.
أصبحت قصيدة داريو عملاً أدبياً كلاسيكياً في الحركة المناهضة للإمبريالية التي اجتاحت أميركا اللاتينية في القرن الماضي، وهو نص أثّر فيما بعد على الكوبي فيدل كاسترو، والمتمرد النيكاراغوي أوغوستو سيزار ساندينو، والزعيم الفنزويلي هوغو تشافيز، من بين آخرين.
اليوم، تُلقي الولايات المتحدة بقوتها العسكرية والاقتصادية مجدداً في أميركا اللاتينية بطرق لم نشهدها منذ عقود. أرسل الرئيس دونالد ترامب أسطولاً بحرياً إلى جنوب البحر الكاريبي لتدمير القوارب التي يُقال إنها تحمل المخدرات إلى الولايات المتحدة، وهدد بقصف أهداف داخل فنزويلا في محاولة واضحة لإجبار نيكولاس مادورو على التنحي.
كما كافأ ترامب "رئيسه المفضل"، خافيير ميلي من الأرجنتين، بخطة إنقاذ بقيمة 20 مليار دولار؛ وتعهد بـ"استعادة" قناة بنما؛ وطالب المكسيك باتخاذ موقف أكثر صرامة ضد تهريب المخدرات والهجرة، وإلا ستواجه تعرفات جمركية خانقة؛ وضغط على المحكمة العليا البرازيلية لإسقاط قضية ضد حليفه، الرئيس السابق جايير بولسونارو؛ وأيّد المرشح المحافظ في السباق الرئاسي في هندوراس؛ وضغط على دول نصف الكرة الأرضية لرفض النفوذ الصيني. يُمثّل نهجه تعبيراً معاصراً عن مبدأ مونرو، الفكرة التي صاغها الرئيس الأميركي الخامس لأول مرة عام 1823، والتي مفادها أن القوى الخارجية غير مرحب بها في ما يُسمى "الفناء الخلفي" لأميركا.
ومع ذلك، إذا كان هناك أي ورثة لروبين داريو، فقد التزموا الصمت بشكل مفاجئ. كان رد الفعل داخل المنطقة تجاه "مبدأ دون رو"، كما يسميه البعض سياسة السيد ترامب تجاه أميركا اللاتينية، صامتاً في الغالب حتى الآن، وغالباً ما كان داعماً صريحاً. ولكن حتى لو وجد نهج ترامب القوي أرضاً خصبة في جميع أنحاء نصف الكرة الأرضية، فإن التاريخ يشير إلى أنّ المسؤولين في واشنطن إذا تجاوزوا حدودهم، فإنهم يخاطرون بزرع بذور رد فعل عنيف معادٍ لأميركا قد يستمر بعد انتهاء إدارتهم الحالية.
وقد أبدى العديد من الدول التي كانت تشعر بالغضب سابقاً تحت وطأة النفوذ الأميركي علناً اهتمامه المتجدد بالإدارة الحالية تجاه المنطقة. وتشمل قائمة الحكومات المتحالفة مع ترامب: جمهورية الدومينيكان، حيث تدخلت القوات الأميركية من عام 1916 إلى عام 1924 ومرة أخرى من 1965 إلى 1966؛ وبنما، موقع الغزو الأميركي عام 1989؛ والأرجنتين والإكوادور وغيانا، من بين دول أخرى. وفي استطلاع رأي حديث، قال 53% من المشاركين في جميع أنحاء أميركا اللاتينية إنهم سيدعمون التدخل العسكري الأميركي لإسقاط مادورو.
حتى أنّ جزءاً كبيراً من اليسار في أميركا اللاتينية قد أُخضع، ما أحبط العديد من قادته. "ما سبب صمت التقدمية والحكومات؟" تساءل الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، أحد أشد منتقدي ترامب، في وسائل التواصل الاجتماعي في تشرين الثاني/نوفمبر. وحذرت صحيفة "كلارين"، وهي صحيفة يسارية في تشيلي، من أنّ "من الملحّ أن تستعيد أميركا اللاتينية صوتاً واحداً في مواجهة هذه الاعتداءات". وفي قمة عُقدت مؤخراً لقادة أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأوروبا، فشلت محاولة إقناع حكومات المنطقة بتوقيع إعلان يدين صراحةً حملة القصف البحري الأميركية.
ما الذي يُفسر هذا الرضوخ النسبي؟ من المؤكد أنّ بعض القادة التزموا الصمت خوفاً من أن يقعوا هم أنفسهم في مرمى نيران ترامب. أما بالنسبة لآخرين، وخاصة رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم، فإنّ بلدانهم تعتمد اقتصادياً على الولايات المتحدة إلى درجة أنهم قد يرون البراغماتية الهادئة الخيار الوحيد. يبدو أنّ أحد الأسباب الرئيسية هو موافقة العديد من سكان أميركا اللاتينية على قرار ترامب باتباع نهج أكثر صرامة ضد عصابات المخدرات في المنطقة.
على الرغم من أنّ الجريمة المنظمة ليست قضية جديدة، إلا أنها تفاقمت بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي. خلال تلك الفترة، تضاعفت كمية الكوكايين المنتجة في أميركا اللاتينية على الأقل. وتنوّعت أنشطة عصابات المخدرات الغنية بالأموال لتشمل الابتزاز والتعدين غير المشروع والاتجار بالبشر. اندلع العنف حتى في دول مثل كوستاريكا والإكوادور، التي كانت تُعتبر سابقاً واحات من الهدوء النسبي. وتُظهر استطلاعات الرأي المتتالية أنّ الجريمة قد تجاوزت البطالة أو الرعاية الصحية لتصبح الشاغل الرئيسي للناخبين في معظم أنحاء المنطقة.
ويبدو أن سياسات أميركا اللاتينية تتجه أكثر نحو اليمين نتيجةً لذلك. فقد تعهّد خوسيه أنطونيو كاست، المرشح الأوفر حظاً للفوز في جولة الإعادة في ديسمبر لرئاسة تشيلي، ببناء حاجز حدودي شبيه بما تبنّاه ترامب لمنع دخول المهاجرين الذين يُحمّلهم مسؤولية ارتفاع معدلات الجريمة. أما رودريغو باز بيريرا، أول رئيس غير اشتراكي لبوليفيا منذ نحو عقدين، فقد أعاد العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع واشنطن، ورحّب بوفد من المسؤولين الأميركيين في حفل تنصيبه لمناقشة صفقات محتملة في مجالي التعدين ومكافحة المخدرات. ومع تحقيق شخصيات محافظة نتائج جيدة في الانتخابات المقبلة في بيرو وكولومبيا وكوستاريكا والبرازيل، يمكن تخيّل أميركا اللاتينية أكثر انحيازاً للسيد ترامب بعد عام من الآن.
إنّ المشاعر المناهضة للإمبريالية الراسخة، التي تعكسها أبيات داريو الشعرية، يجب أن تُلهم الحذر. ففي عام 1912، بعد ثماني سنوات من نشر داريو لقصيدته، طلب السياسيون المحافظون في نيكاراغوا، وحصلوا على ذلك، فرقة من القوات الأميركية باسم "استعادة القانون والنظام". بقيت تلك القوات الأميركية هناك طوال معظم العقدين التاليين، وهي فترة شهدت أيضاً إرسال الولايات المتحدة قوات إلى كوبا والمكسيك وهندوراس وهايتي وجمهورية الدومينيكان. خلّفت هذه التدخلات رواسب عميقة من الاستياء العام، ساهمت لاحقاً في تغذية الحركات المناهضة لأميركا، من ثورة فيدل كاسترو إلى تمرد الساندينيستا في نيكاراغوا، وعقّدت المصالح التجارية والدبلوماسية الأميركية في جميع أنحاء أميركا اللاتينية طوال معظم القرن العشرين.
لا أحد يتوقع من السيد ترامب، الذي خاض حملته الانتخابية على وعد إبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن الحروب الخارجية غير الضرورية، أن يرسل قوات لاحتلال واسع في القرن الحادي والعشرين. فحتى أميركا اللاتينية أصبحت أكثر ديمقراطية بكثير مما كانت عليه قبل جيل أو جيلين، ما يعني أن قادتها قادرون على العمل مع واشنطن من دون مواجهة اتهامات بأنهم "بائعو وطن" أو يبيعون بلدانهم بشكل غير مشروع.
ولكن سيكون من الخطأ افتراض أن النفور التاريخي من قبضة العم سام الثقيلة قد اختفى. لقد حصر السيد ترامب جهوده العسكرية في الغالب في استهداف فنزويلا، وهي ديكتاتورية لم يتبقَّ لها سوى القليل من الأصدقاء في المنطقة. ومع ذلك، إذا وسّع حملته لمكافحة المخدرات لتشمل ديمقراطيات مثل المكسيك وكولومبيا، وهو احتمال طرحه مؤخراً للصحافيين، فقد يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف أكبر بكثير. كما أن أي محاولات أخرى من جانب السيد ترامب لترجيح كفة أصدقائه في الانتخابات المقبلة قد تأتي بنتائج عكسية — كما حدث مؤخراً في البرازيل، حيث لم يفشل الضغط الأميركي في إبقاء السيد بولسونارو خارج السجن فحسب، بل غذّى أيضاً موجة من القومية عززت شعبية الرئيس اليساري للبلاد، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا.
ويتفاوض بعض القادة أنفسهم، الذين يكبحون جماح استفزازات ترامب، بهدوء مع بكين وشركاء محتملين في أوروبا والشرق الأوسط، على أمل إيجاد بدائل لقوة مهيمنة يجدونها متسلطة وغير موثوقة بشكل متزايد. عندما تستخدم واشنطن عصا كبيرة جداً في أميركا اللاتينية، يمكن قياس التكلفة ليس فقط بالسنوات، بل بالعقود.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.