"الغارديان": شركات التكنولوجيا تتنافس على الهيمنة البحرية باستخدام الغواصات المسيّرة

بينما تسعى القوات البحرية إلى مواجهة الغواصات وحماية الكابلات، تتنافس الشركات الناشئة وشركات الدفاع الكبرى على قيادة السوق.

  • "الغارديان": شركات التكنولوجيا تتنافس على الهيمنة البحرية باستخدام الغواصات المسيّرة

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يتناول سباق التسلّح الجديد تحت سطح البحر، وبشكل خاص التحوّل المتسارع نحو الغواصات والمراكب البحرية غير المأهولة، وتأثير ذلك على التوازنات العسكرية العالمية.

المقال يستعرض تحولاً جذرياً في الحرب البحرية، حيث تتجه الدول إلى نشر غواصات ومراكب غير مأهولة لحماية مصالحها تحت البحار، وسط سباق عسكري وتقني متسارع وصراع استخباري محتدم على مراقبة الكابلات والبنى التحتية الحيوية.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

لقد غيّرت الطائرات المسيرة المستخدمة خلال حرب أوكرانيا، تكتيكات المعارك البرية إلى الأبد. والآن يبدو أنَّ الأمر ذاته يحدث تحت سطح البحر، حيث تتسابق القوات البحرية حول العالم لإضافة غواصات ذاتية القيادة، بينما تخطط البحرية الملكية البريطانية لأسطول من المراكب البحرية غير المأهولة، والتي ستؤدي لأول مرة دوراً قيادياً في تتبع الغواصات وحماية الكابلات والأنابيب البحرية. وقد التزمت أستراليا بإنفاق 1.7 مليار دولار على غواصات "القرش الشبح"، لمواجهة الغواصات الصينية. وأيضاً، تنفق البحرية الأميركية الضخمة حالياً مليارات الدولارات على عدة مشاريع للغواصات المسيرة، من ضمن مشروع يُستخدم بالفعل الآن ويمكن إطلاقه من الغواصات النووية.

تفرض الغواصات غير المأهولة "متغيرات فعلية في ساحة المعارك البحرية"، بحسب ما قال سكوت جيميسون، المدير العام لحلول الدفاع البحري والبري في شركة "بي إيه إي سيستمز"، وهي شركة بريطانية رائدة في مجال الأسلحة وبناء الغواصات النووية. وأضاف أنَّ الغواصات المسيرة الجديدة قيد التطوير ستتيح للقوات البحرية "التوسع بحيوية لم تكن متاحة من قبل، وبتكلفة أقل بكثير مقارنة بالغواصات المأهولة.

كما أنَّ فرصة دخول سوق جديدة ضخمة تدفع شركات الدفاع الكبرى ذات الخبرة، مثل "بي إيه إي سيستمز"، و"جنرال دايناميكس"، و"بوينغ" الأميركية، إلى التنافس مع شركات التكنولوجيا الدفاعية الناشئة مثل شركة "أندوريل" الأميركية المصنعة لغواصة "القرش الشبح"، وشركة "هلسينغ" الألمانية. وبينما كان الصراع من أجل الهيمنة تحت البحار شبه مستمر في أوقات السلم والحروب معظم القرن الماضي، تزعم الشركات الجديدة في تصنيع الغواصات المسيرة أنَّها قادرة على التحرك بسرعة أكبر وبتكلفة أقل.

"نوتيلوس" أول غواصة تعمل بالطاقة النووية أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية في عام 1954، وسُميت تيمنًا باسم السفينة الخيالية في رواية جول فيرن. وبعد ذلك أصبحت القطع البحرية المسلحة نووياً حتى الآن، جوهر القوات المسلحة في 6 دول هي، الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، والهند، بينما يُحتمل أن تكون كوريا الشمالية قد أصبحت مؤخراً الدولة السابعة. ويأتي ذلك رغم الجدل الكبير حول ما إذا كانت هذه الأسلحة تستحق المبالغ الضخمة التي تُنفق عليها، وما إذا كان مثل هذه الترسانة التدميرية تُعد فعلاً وسيلة ردع فعّالة.

من طبيعة القوات المسلحة البحرية خوضها باستمرار مناورات التخفي والمطاردة في المحيطات. ولتجنب الاكتشاف، نادراً ما تظهر الغواصات على السطح، إلا إذا أجبرتها على ذلك مشاكل الصيانة، كما حدث مع غواصة بريطانية مؤخراً، بعد أن قضت مدة قياسية تحت الماء بنحو 9 أشهر، تحمل صواريخ "ترايدنت" النووية التي يُفترض أنها كانت جاهزة للإطلاق في أي وقت.

يُعتبر تتبع الترسانة النووية الروسية تحت الماء التي أصبحت أقل نشاطاً في السنوات الأخيرة، محوراً رئيسياً للبحرية الملكية البريطانية، مع التركيز بشكل خاص على الفجوة البحرية بين غرينلاند وأيسلندا وبريطانيا، وهي "نقطة اختناق" تتيح لحلفاء الناتو مراقبة التحركات الروسية في شمال الأطلسي. وصرح مسؤول تنفيذي في مجال الأسلحة بأنَّ بحر الصين الجنوبي سيكون سوقاً واعدة أخرى، في ظلّ المواجهة بين الصين وجيرانها في نزاع إقليمي متوتر وطويل الأمد. 

كما أنَّ الغواصات المسيّرة واعدة بتطورها في تتبّع غواصات "الأعداء"، حيث صُمّمت بعض أجهزة الاستشعار ليتمّ إسقاطها بواسطة مسيرات صغيرة أخرى، تختبئ في قاع البحر لأشهر متواصلة، وفقاً لمدير شركة تنفيذي يأمل في بيع صناعته لبريطانيا. ولقد كان هناك دافع آخر خلف السعي لتطوير هذا السلاح مؤخراً، هو تزايد عدد الهجمات على خطوط أنابيب النفط والغاز، مثل هجوم "نورد ستريم" عام 2022، والذي حددت ألمانيا مشتبهاً فيه أوكرانياً قام بتنفيذه. كذلك تعرض كابل طاقة تحت الماء بين فنلندا وإستونيا لهجوم في عيد الميلاد الماضي، وبعد شهرين من قطع كابلين للاتصالات في المياه السويدية ببحر البلطيق، والأضرار التي لحقت بخط أنابيب "بالتيك كونيكتور" بين فنلندا وإستونيا عام 2023. كما تُعدّ كابلات الطاقة والإنترنت البحرية بالغة الأهمية للاقتصاد العالمي.

وفي الأسبوع الماضي اتهمت الحكومة البريطانية سفينة المراقبة الروسية "يانتار" بدخول المياه البريطانية لرسم خرائط الكابلات البحرية. وقالت إنَّ المملكة المتحدة شهدت زيادة بنسبة 30% في عدد السفن الروسية التي تهدد المياه البريطانية خلال العامين الماضيين. بينما أعربت لجنة الدفاع في مجلس العموم عن مخاوفها بشأن تعرض البلاد للتخريب تحت سطح البحر، المعروف باسم "أعمال المنطقة الرمادية"، والتي قد تُؤدّي إلى اضطرابات كبيرة، لكنَّها على الأرجح لا ترقى إلى مستوى الأعمال الحربية. وأضافت اللجنة عن أنَّ الأضرار التي لحقت بكابلات البيانات والطاقة البحرية المحيطة بالجزر البريطانية وعددها 60، "قد تكون لها عواقب وخيمة على المملكة المتحدة".

يقول الرئيس التنفيذي لشركة التقنيات العسكرية "كوهورت"، آندي ثوميس، إنَّ السفن والطائرات والغواصات المأهولة، المستخدمة حتى الآن لتتبع الغواصات المسلحة نووياً أو سفن التخريب، "كانت ذات كفاءة عالية جداً وهي باهظة الثمن، وبدمجها مع السفن غير المأهولة، نحصل على قدرات اتخاذ القرار التي يمكن للبشر القيام بها من دون تعريضهم لخطر شديد".

تحتوي القطع البحرية الحديثة على ما يصل إلى 5 أضعاف أجهزة استشعار السونار مقارنة بالغواصات التقليدية المستخدمة. وتعد متطلبات الطاقة المنخفضة مهمة بشكل خاص للسفن الصغيرة غير المأهولة، التي لا تملك رفاهية وجود مفاعل نووي على متنها، لكن لديها "حساسات سلبية"، لا ترسل إشارة سونار ما يجعل من الصعب اكتشافها وتدميرها.

البحرية البريطانية، والقوات المسلحة بشكل عام، ليست معروفة بإدخال أحدث التقنيات بسرعة. ومع ذلك، تعلمت القوات الأوكرانية أنَّ السرعة والتكلفة المنخفضة أمران حاسمان عند بناء السلاح المسير الجوي والبحري. وبالنسبة للغواصات غير المأهولة تحاول وزارة الدفاع البريطانية تعلم هذا الدرس، وتطالب بتطوير سريع.. 

وقد اختبرت شركة "بي إيه إي" بالفعل غواصة مسيرة تدعى "هيرن" المتوقع أن تكون منافسة محتملة، بينما افتتحت شركة "هيلسينغ" مؤخراً منشأة جديدة في بليموث، بقرب قاعدة للبحرية الملكية، لإنتاج غواصات وقطع بحرية غير مأهولة. وتتطلع شركة "أندوريل"، التي يديرها جامع التبرعات لدونالد ترامب، بالمر لوكي، إلى مواقع تصنيع في بريطانيا.

ومن المتوقع أن يتم منح العقود الأولية هذا العام، يلي ذلك الاختبارات، التي من المرجح أن تُجرى في شمال غرب اسكتلندا بواسطة شركة الدفاع "كينيتيك كيو"، وطلباً كامل النطاق لشركة أو شركتين إحداهما تدعى "اتلانتيك نت"، لسد فجوة في أجهزة الاستشعار.

ووصفت البحرية الملكية البريطانية المشروع بأنه "حرب مضادة للغواصات"، في إشارة إلى المفهوم الأكثر شيوعاً "البرمجيات كخدمة"، وذلك وفقاً لإشعار مناقصة بقيمة 24 مليون جنيه إسترليني نُشر في أيار/ مايو الماضي.

ويقول الباحث سيدهارث كوشال، إنّ "استراتيجية صيد الغواصات في العقود الأخيرة لم تكن تتوسع لأنها تتطلب مزيجاً مكلفاً من "الأصول الفاخرة" الكبيرة. الآن تجر السفن الحربية خلفها كابلات يزيد طولها على 100 متر تحتوي على مجموعات من أجهزة الاستشعار السونارية لمحاولة التقاط الأصوات الأضعف الأدنى تردداً، بإسقاط عوامات صوتية قابلة للاستخدام مرة واحدة، للكشف عن الغواصات في أعماق البحر. كما تقوم الأقمار الاصطناعية بمسح سطح البحر بحثاً عن الآثار التي تتركها صواري الاتصالات الخاصة بالغواصات، وتقوم مجموعة من غواصات الصيد والقتل بدوريات في الأعماق.

ومع أنَّ فكرة الغواصات المسيرة الرخيصة لتولّي جزء من هذا العمل جذابة، حذّر كوشال من أن ميزة السعر "ما تزال غير واضحة". كذلك يحذر بعض الصناعيين من أنَّ أسطولاً كبيراً من المركبات الطائرة من دون طيار سيظل يحمل تكاليف صيانة كبيرة. ولحماية الكابلات تحت البحر أيضاً، قد يكون ذلك سلاحاً ذا حدين، لأن التخريب أيضاً سيكون أرخص وأسهل. وقال أحد التنفيذيين إنَّ احتمال إطلاق الغواصات المسيرة النار بعضها على بعض تحت الماء أمر "واقعي تماماً"، ولا سيما أنَّ السفن الخاصة ستكلف بالحرب المضادة للغواصات لأول مرة، ما قد يجعلها أهدافاً عسكرية.

ويقول إيان مكافرلين مدير مبيعات أنظمة تحت الماء في شركة "تاليس"، التي تزود البحرية الملكية بالفعل بمصفوفات السونار التي تجرها سفن صيد الغواصات، والقوارب المسيرة، والطائرات من دون طيار، ويأمل أن يكون له دور في المشاريع الجديدة، إن "أول ما سيفعله الروس هو الخروج واختبار هذا النظام، ودفعه إلى أقصى حد. كما أنَّ جاذبية إشراك الشركات تكمن في أنّ البحرية الملكية وحلفاءها يبحثون الآن عن العدد والاستمرارية لمواجهة "معتدٍ يقوم بتصعيد تحركاته".

نقله إلى العربية: حسين قطايا.