سردية أولي البأس - مقابلة مع العميد منير شحادة
نص الحلقة
· المقدّمة وفا سرايا: مساء الخير. كان الرِهان على انهيار البُنية الداخلية للمقاومة الإسلامية في لبنان. وكانت النتيجة 1666 عملية واستهدافات وصلت إلى 150 كيلو مترًا في عُمق الاحتلال. كان الرهان على خرق البيئة الحاضِنة تقسيمها، تشتيت ثِقلها، وقلبها على مقاومتها، فكان المشهد ملحمة في الصمود الشعبي والتكافُل الاجتماعي والتمسّك بالخيار والقرار. كان الرِهان على أنّ اغتيال الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله ورئيس المجلس التنفيذي السيّد هاشم صفي الدين والقادة العسكريين الكبار سيفكّك مفاصِل المقاومة ويمثّل بداية نهاية مسار المواجهة والإسناد والتصدّي. فكانت عملية أولي البأس لتُثْبت أنّ المقاومة ليست نِتاجًا ظرفيًا إنما هي مشروع متجذّر في الأرض والناس. فكيف بات عنوان المعركة هوية؟ إنها سرديّة أولي البأس في إطار تغطية "السيّد الأمّة" على شاشة الميادين فأهلًا بكم. البداية نُحلّل هذه السرديّة مع ضيفنا هنا في استوديو الميادين، نرحّب بالمُنسّق السابق للحكومة اللبنانية لدى قوات الطوارئ الدولية العامِلة في لبنان العميد منير شحادة مساء الخير أهلًا بك. إسمح لنا أن نبدأ من لحظة يوم الثامن من أكتوبر، لحظة اتّخاذ القرار بإسناد غزّة من إيمان المقاومة الثابِت بضرورة مُساندة الشعب المظلوم في غزّة إلى لحظة اغتيال السيّد حسن نصر الله. وفق أية مُحدّدات أدار حزب الله عمليات وحرب الإسناد هذه؟ وما هي الحسابات التي كانت لديه آنذاك بتصدّيه للعدوان الإسرائيلي أو للقوات ال‘سرائيلية؟
· العميد منير شحادة: بدايةً أهمّ شيء يجب أن نوّضِحه لجميع الناس وللرأي العام أنه بالتأكيد ومن المؤكّد جدًا أنه عندما قامت المقاومة الفلسطينية بطوفان الأقصى لم يكن لدى المقاومة في لبنان ولا إيران أيّ عِلم بالموضوع، هذا واضح جدًا. يعني كل مَن كان يتحدّث في بداية الحرب أنّ هذا تحريض من الإيراني، بأنها ورّطت إيران المقاومة الفلسطينية أو المقاومة في لبنان فهذا غير صحيح. تفاجأت المقاومة في لبنان وإيران بهذه العملية وقد عرفوا بها فيؤما بعد مثل بقيّة الناس، أبكر ببضع ساعات نعم ولكن لم يكن لديهم خبر بأنّ هناك عملية. هنا المقاومة في لبنان وعلى رأسها الأمين العام سماحة الشهيد حسن نصر الله بات لديه حملان كبار: أولًا التزامه بالقضية الفلسطينية والتزامه بالأقصى وفلسطين وأيضًا مُلتزم تجاه لبنان، يعني جرّ الحرب إلى لبنان. لذلك نحن في الوقت الذي اتّخذت به المقاومة قرار بدء المُساندة لغزّة، أول هدف استهدفته دبّابة في مزارع شبعا. ماذا يعني ذلك؟ مزارع شبعا لا تخضع ل 1701، المقاومة لا تريد خرق 1701، بدأت بأول صاروخ كورنيت اتّجه باتّجاه دبّابة في مزارع شبعا - أرض محتلّة لا تخضع ل 1701 - ردّ الإسرائيلي كان في المناطق التي تخضع 1701 وثمّ كرّت السُّبحة وهكذا بدأت. ثم في ما بعد نذكر بأنّ سماحة الأمين العام بقي أكثر من 27/28 يوماً لم يخرج إلى الإعلام أبدًا وأيضًا كي يَخْبُر الرأي العام بذلك. إيران وعلى رأسها المُرشد الأعلى السيّد علي الخامنئي نصح أمين عام حزب الله ألا يدخل في الحرب.
· المقدّمة وفا سرايا: يعني يمكن القول أنّ القرار بشكلٍ تام هو قرار لبناني وقرار داخلي لحزب الله.
· العميد منير شحادة: هناك إثبات على ذلك، هو أنّ نتنياهو بحدّ ذاته وهو ألدّ أعداء المقاومة، عندما خرج في أحد الخطابات وقال أنه وقت جاءه ملف ضخم عن السيّد حسن نصر الله لاتّخاذ القرار باغتياله قال أنه اكتشف من وراء هذه المُستندات التي بين يديه أن السيّد حسن نصر الله هو المحور وهو محور المحور، وكل مَن يقول أنه كان مؤْتَمَر من قِبل إيران فهذا غير صحيح، الذي رآه نتنياهو هو أنّ السيّد حسن هو الذي كان يُرشِد إيران إلى سياسة المنطقة. فإذًا من هنا، نرى بأنه رغم نصيحة المُرشِد الأعلى للسيّد حسن نصر الله بعدم الدخول في هذه الحرب لتوقيتها الخاطئ =والمُفاجئ فالمقاومة الفلسطينية لم تنسّق لا مع إيران ولا مع المقاومة في لبنان. رغم ذلك أخلاقيًا، السيّد حسن نصر الله سانَد الحرب في غزّة، ونذكر وقتها قد بدأ الإعلام اللبناني الداخل والخارج بتعليقات مثل: أين صواريخكم؟ أين المئة ألف مقاتل؟ أين الذي يريد رَمْي إسرائيل في البحر؟
· المقدمة وفا سرايا: وحدة الساحات يعني بشكلٍ أساسي.
· العميد منير شحادة: وهنا بقي سماحة الأمين العام أكثر من 27/28 يوماً لم يخرج للإعلام ولم يخطب، لكن بدأ الإسناد منذ ثاني يوم من عملية طوفان الأقصى، وأعيد وأكرّر يومها بدأت بمزارع شبعا لكي لا يخرق 1701 وإسرائيل ردّت في مناطق 1701 وبدأت بالناقورة وعلى طول الحدود الشرقية.
· المقدمة وفا سرايا: المرحلة التالية ضرب الكاميرات وكان هنالك الكثير من ((الانتخابات)).
· العميد منير شحادة: دعونا نتكلّم، بدأت معركة العواميد التي هزئ منها معظم وسائل الإعلام العالمية وكل مَن يناهض المقاومة ولكن الذي يعلم - خاصة أنا شخصيًا حيث هذا مضماري فقد كنت رئيس الوفد المفاوض إلى اجتماعات الثلاثية في الناقورة - الأعمدة المنتشرة على طول الحدود من الناقورة وحتى مزارع شبعا عليها أجهزة وتقنيات مُتقدّمة جدًا للتجسّس والمراقبة من كاميرات ومن أجهزة تنصّت ورادارات حرارية. كل أنواع التكنولوجيا موجودة على هذه الأعمدة، لذلك بدأت المقاومة باستهدافها لإعماء إسرائيل، وهذا ما جعل إسرائيل تفشل في موضوع حرب المُسيّرات مع المقاومة. كانت المقاومة تفاجئها دائمًا ثم استكملتها المقاومة باستهداف قاعدة ميرون، كل هذه الأعمدة =متّصلة بقاعدة ميرون.
· المقدمة وفا سرايا: يعني مهمّ جدًا هذا السياق الذي أوصلنا إلى ما سمعناه من رئيس كتلة الوفاء للمقاومة على شاشة الميادين قبل أيام قال بأنّه أصْوَب القرارات كانت حرب الإسناد لأنها انتصار للبشرية، للحرية والإنسانية والوطنية بشكل أساسي ويُعبّر أيضًا عن ترجمة لمواقف المقاومة.
· العميد منير شحادة: السبب الأول هو أخلاقي، السبب الثاني تعلم المقاومة أن الحرب آتية بعد غزّة هي آتية إلى لبنان.
· المقدمة وفا سرايا: صحيح وهذه جزئيّة أساسية كانت من ضمن ما كشفه الإسرائيلي بأنه كان على اللائحة لشنّ هذا المِنوال في 10 من تشرين الأول وتمّ تأجيل ذلك وطُلِب ذلك من "غالانت". إسمح لنا أن نذهب إلى التقرير تحديدًا كيف جاء قرار إسناد غزّة؟ بأية دواعٍ وأية أسباب وأيّ شكل اتّخذته هذه الجبهة؟ فلنتابع.
· تقرير: من تأدية الواجب في نُصرة الشعب الفلسطيني المظلوم إلى عدم الذهاب إلى حربٍ واسعةٍ شاملة، هكذا حدّد حزب الله على ألْسِنة قادته دوافِع إسناد غزّة ضمن الضوابط المُحدّدة. وفي الحسابات تقديرمصلحة لبنان بمنع الاحتلال من تحقيق أهدافه في غزّة وإلا فلبنان من أول المُتضرّرين. حرب وجوديّة، هكذا وصفت إسرائيل عملية طوفان الأقصى وما بعدها واستخدمتها ذريعة لتبرير أيّ فعل عدواني وفرصةً مؤاتيةً بالتأييد والدعم من الرُعاة الدوليين لمحاولة ضرب المقاومة من غزّة إلى أية حركات وتنظيمات مقاومة قريبة كانت أم بعيدة وأمام الحدود الشمالية لفلسطين المُحتلّة، المقاومة الإسلامية في لبنان. باعترافٍ إسرائيلي، كان لبنان موضوعًا على جدول الأعمال العسكرية لتل أبيب جدول تعدّه منذ هزيمتها المُدوّية في 2006 الموعد المُحدّد لضربة استباقية في 11 من تشرين الأول أكتوبر 2023. لكن وبإقرار "يوآف غالانت" تقرّر بضغطٍ أمريكي تأجيل العدوان على لبنان بوتيرةٍ محسوبةٍ وعلى مدى عام، تصدّت المقاومة الإسلامية للعدوانية الإسرائيلية، لكن الاحتلال واصل تماديه مُستبيحًا القرى والأحياء والمدنيين وصولًا إلى البدء بمُخطّط استهداف القادة فكان اغتيال مُنسّق أركان العمليات الشهيد فؤاد شكر. اغتيال ردّت عليه المقاومة في ضاحية تل أبيب مُسْتَهْدفة مبنى العمليات في وحدة الاستخبارات العسكرية 8200.
-السيّد حسن: وبيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان.
اغتيال القائد شكر في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت مثّل تحوّلًا نوعيًا في المسار، أعقبته سلسلة اغتيالات لقادة الوحدات وتركيز على القوّة الصاروخية والمُسيّرات. وبرغم ذلك تواصلت العمليات النوعية للمقاومة ضدّ مواقع العدو في فلسطين المُحتلّة، وفيما لم تُخفِ المقاومة رغبتها في حَصْر المواجهة في إطار الإسناد جاءت الأحداث والاستهدافات والاغتيالات لتُغيّر المسار.
· المقدمة وفا سرايا: سيادة العميد، الجزء الثاني حينما نتحدّث أيضًا بهذه المرحلة بحرب الإسناد وصولًا إلى السابع عشر من أيلول، كان هناك كلام واضح من سماحة السيّد الشهيد حسن نصر الله لتحقيق هدفين لأنه كان يتجنّب الحرب الواسعة أو الشاملة مع دولة الاحتلال في الجبهة اللبنانية، حيث قال بإشغال جزء مُعْتَبَر من جيش الاحتلال بمعركةِ استنزافٍ طويلةٍ للتخفيف عن غزّة، ثانيًا قال بمنع مستوطني شمال الأراضي الفلسطينية المُحتلّة الذين يتجاوز عددهم 200 ألف مستوطن من العودة إلى مستوطناتهم. إلى أيّ مدى كان هذا المسار المرسوم ولكن أتت لحظة الاغتيالات ولا سيما اغتيال الشهيد شكر التي غيّرت مسار المواجهة.
· العميد منير شحادة: طبعًا هذا هو دور الإسناد الذي يسعى إليه أمين عام حزب الله عندما بدأ بعملية الإسناد في اليوم الثاني لطوفان الأقصى في 8 تشرين وكان يحسب حساب لعدم جرّ الحرب إلى لبنان. لذلك كانت تقتصر استهدافه للعدو الإسرائيلي على تخوم الحدود والعُمق فبحسب ما كان يُعمّق العدو الإسرائيلي كانت المقاومة تُعمِّق أكثر، لذلك كان يُركّز على مُساندة غزّة وعدم جرّ الحرب إلى لبنان حيث كان هناك توازن تقريبًا في ذلك الوقت. لذلك كان يُركّز على موضوعين: أولًا موضوع المستوطنات الشمالية يجب أن تصبح فارغة في الشمال وهذا موضوع استراتيجي مهمّ جدًا للأمن الاستراتيجي الإسرائيلي أنه يتمّ تهجير مئات الآلاف من المُستعمرات الشمالية بحيث أنّ كل المُستعمرات الشمالية على حدود لبنان أصبحت فارِغة بسبب استهداف المقاومة. وبالنسبة لإشغال العدو الإسرائيلي بثلاث فْرَق، يعني فلنتخيّل أنّ المقاومة في لبنان لم تشغل العدو الإسرائيلي فيكون كل تركيز الجيش الإسرائيلي باتجاه غزّة. وعندما قامت المقاومة بالإسناد، اضطرّ العدو الإسرائيلي بإرسال ثلاث فِرَق إلى منطقة الشمال لتقوم بمواجهة المقاومة وهذا يجعل غزّة مُرتاحة أكثر لناحية الحرب فيها. فإذًا هدفان أساسيان من الإسناد: تهجير المُستعمرات الشمالية وإشغال العدو الإسرائيلي بثلاث فِرَق على الجبهة الشمالية.
· المقدّمة وفا سرايا: الاغتيال أتى نتيجة خِداع إسرائيلي كذلك، يعني في ظلّ المفاوضات بأنّ هناك رغبة لدى المقاومة في ما يتعلّق بحصر حرب الإسناد وممكن الاتفاق في ما بعد على أمورٍ أخرى بمُساندة غزّة بإطار آخر.
· العميد منير شحادة: تقصدين اغتيال السيّد حسن نصر الله؟
· المقدّمة وفا سرايا: نعم وهنا سندخل يمكن بتفاصيل المحور الثاني.
· العميد منير شحادة: يعني قبل الحديث عن السيّد حسن نصر الله، هناك اغتيال الشهيد شكر. وهذا وقتها كان بحجّة أنّ المقاومة استهدفت مجدل شمس وهذا ادّعاء إسرائيلي كاذب، هذا صاروخ من منظومة الدفاع الجوّي الإسرائيلية قد أخطأ طريقه وسقط في هذا الملعب، لأنه لو فعلًا هو صاروخ تابع للمقاومة كان حجم الانفجار وحجم الحفرة وعدد القتلى في مجدل شمس أكبر بكثير.
· المقدّمة وفا سرايا: ونحن نتذكّر أهالي مجدل شمس كيف رفضوا استقبال المسؤولين الإسرائيليين وحمّلوهم المسؤولية.
· العميد منير شحادة: صحيح، فاتّخذتها إسرائيل عذرًا لاستهداف رئيس أركان المقاومة (إذا أمكن تسميته بذلك) الشهيد شكر. من هنا أصبحت فكرة ما قبل ليس كما ما بعد. بالأصل إسرائيل عندما اغتالت الشهيد العاروري في الضاحية، كان ذلك جسّ نَبَض المقاومة وكانت مؤشّراً لعدوان، غسرائيل أرادت أن تجسّ نَبَض المقاومة بأن ماذا تمتلك من قوّة؟ ولكن المقاومة استعملت أسلوباً تكتيكياً بأنها استهدفت ردًا على استشهاد الشيخ العاروري قاعدة ميرون. هنا كانت إسرائيل تنتظر أن تُظْهِر المقاومة ما لديها من قوّة، ولكن السيّد حسن نصر الله كان لا يريد أن يجرّ الحرب إلى العُمق اللبناني، يريد أن يُبقيها على الجبهة الجنوبية.
· المقدمة وفا سرايا: هنا اسمحوا لنا أن نذهب إلى المحور الثاني وتحديدًا نتحدّث عن هذه الحرب المفتوحة من اغتيال السيّد حسن نصر الله وصولًا إلى المواجهة البرّية في الأول من تشرين الأول. أيلول سبتمبر 2024 هي محطّات مفصلية غيّرت معالِم المواجهة ورغم الضربات القاسية بما لم يكن في حسابات الاحتلال، فلنتابع.
· تقرير: السابع عشر من أيلول سبتمبر 2024 مجزرة أجهزة النداء: 12 شهيداً و2800 جريح تبعها في اليوم التالي تفجير أجهزة اللاسلكي. العشرون من أيلول سبتمبر استهداف قوّة الرضوان واستشهاد قائدها الحاج إبراهيم عقيل وعدد من القادة، ثم في اليوم الثالث والعشرين من أيلول سبتمبر ألف و600 غارة بواسطة 250 طائرة في يومٍ واحدٍ و558 شهيداً من بينهم خمسون طفلًا. هكذا تصاعد العدوان ليأتي السابع والعشرون من أيلول سبتمبر يوم استهداف الأمين العام لحزب الله في غرفة العمليات المركزية خلال إدارته المواجهة. برغم كل الضربات الموجِعة، كان القرار باستمرار إطلاق الصواريخ على المستوطنات واستهداف العُمق لمنع العدو من تحقيق هدفه بوقف الجبهة. بعد نعيّ السيّد الشهيد، تولّى الشيخ نعيم قاسم من موقعه كنائبٍ للأمين العام القيادة ومتابعة الإدارة العامة للحزب، فيما اتّفق مع السيّد هاشم صفي الدين على متابعة الوضع العسكري. بعد إطلالة الشيخ قاسم على الرأي العام في 30 من أيلول سبتمبر محدّدًا مسار المواجهة، بدأت الاتصالات بين أعضاء القيادة لانتخاب خَلَف للسيّد نصر الله وجرى الاتفاق على السيّد هاشم صفي الدين. الرابع من تشرين الأول أكتوبر عدوان عنيف على مقرّ العمليات في الضاحية الجنوبية لبيروت هدفه السيّد صفي الدين. الغارات تواصلت لمنع فِرَق الإنقاذ من الوصول إلى المكان على مدى عشرين يومًا. بعد أسبوع من شهادة السيّد صفي الدين، انتُخِبَ الأمين العام الجديد لكن جرى تأخير الإعلان بانتظار الكشف عن الجثامين. الأول من تشرين الأول أكتوبر محطّة مفصلية أخرى، بدأ الهجوم الإسرائيلي على جنوب الليطاني بخمس فِرَق وألوية النُخبة مع تغطيةٍ جوية كاملة. الهدف التالي التقدّم باتجاه الأوّلي وربما بيروت، معركة تاريخية خاضها المقاومون في القرى الأمامية فألحقوا بقوات الاحتلال خسائر كبرى ما اضطُرها إلى التراجُع من دون أن تتمكّن من السيطرة على أية قرية. المواجهة البرّية توازت مع تواصُل إطلاق الصواريخ والمُسيّرات باتجاه المواقع العسكرية في عُمق الكيان عملًا بمُعادلتين: حيفا مقابل الضاحية وتل أبيب مقابل بيروت. وفيما توقّع الاحتلال أن ينتهي حزب الله باغتيال قادته وكوادره العسكرية وبالضغط على البيئة الحاضِنة، كان الصمود العسكري هو العنوان وقيادة حزب الله المعركة واستمرار وتيرتها دَفْعًا إلى تكثيف الاتصالات من أجل التوصّل إلى وقف لإطلاق النار.
· المقدمة وفا سرايا: سيادة =العميد أعود إليك، إسرائيل قرّرت بالعودة إلى المسار لهذه السرديّة بحلول مُنتصف أيلول سبتمبر توسيع نطاق هذا العدوان وصولًا بعد تنفيذ مجزرة البيجر الوصول إلى القادة. كيف تمّ الوصول إلى القادة؟ هل بالفعل بات اليوم حزب الله أضعف بكثير انطلاقًا مما جرى في مُنتصف أيلول قبل عام وهذه المواجهة البرّية التي سنتحدّث عنها بالتفصيل.
· العميد منير شحادة: نعم هناك عدّة عوامِل أدّت إلى كشف القادة من قِبَل إسرائيل. أولًا نعود إلى ال2005 لجنة التحقيق الدولية التي أتت إلى لبنان لكي تحقّق بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. هذه اللجنة استباحت كل لبنان، كل داتا لبنان أصبحت بيدها، أنا كنت عضواً فيها، كنت رئيس قسم العمليات في هذه اللجنة. فإذًا استباحت كل داتا لبنان: المصارف، الجامعات، المستشفيات، الأجهزة الأمنية، الاتصالات الأرضية والخلويّة، كل الداتا أصبحت بيدها بشكلٍ أنّه كل مَن يمتلك هاتفاً خلوياً وكل مَن يتكلّم على الهاتف الثابت وكل طلاب الجامعات - كما ذكرت - أصبحت داتا المعلومات لدى إسرائيل، هذا واحد. النقطة الثانية: عندما ذهبت المقاومة للقتال في سوريا، كُشِفَ كل القادة الذين قاتلوا في سوريا إلى أصغر عنصر من القادة الميدانيين كُشِفوا ونحن نتحدّث عن عام 2011 إلى 2023 يعني تقريبا 12 سنة. الذي ذهب للقتال في سوريا كعنصرٍ أصبح قائدًا ميدانيًا، فإذًا كل داتا المعلومات عن قادة المقاومة وكل مَن قاتل في سوريا ومعظم القادة هم من الصفّ الأول، أصبحت لدى إسرائيل بالإضافة إلى "الووكي توكي" طبًعا. فإذًا كل هذه الداتا كشفتها إسرائيل إلى أن استطاعت إسرائيل أن تكشف الشبكة الأرضية التي معروف عنها أنها أحدثت ضجّة في 7 أيار وأصبحت هناك أزمة في لبنان بسببها، أيضًا اخترقتها إسرائيل، في مكانٍ ما استطاعت أن تصل إلى المعلومات. هذا ما جعل إسرائيل تستطيع الوصول إلى القادة وصولًا إلى الأمين العام لحزب الله ولا نريد أن ننسى البيجر، أيضًا البيجر فهي منذ زمن موزّعة وموجودة مع عناصر المقاومة.
· المقدّمة وفا سرايا: وقبل أيام قال غالانت نحن اضطّررنا إلى تفجيرها بهذه الطريقة لأنه كانت هناك إمكانية وصول.
· العميد منير شحادة: لأنّ المقاومة كأنها وصلت إلى معلومات كشفت بأنّ هناك خطأ ما، كل هذا أدّى إلى وجود بنك معلومات لدى إسرائيل عن القادة استطاعت أن تستهدفهم وأن تصل إلى كل مراكزهم.
· المقدمة وفا سرايا: حسنًا سيادة العميد حصل الاستهداف للقادة، ما الذي تغير بمسار المواجهة؟ كانت الصدمة كبيرة ولكن تصرُّف المقاومة وسلوكها كيف كان؟
· العميد منير شحادة: هل في حال تعرّض أيّ جيش في العالم لعملية بيجر التي أخرجت بحدود 4000 عنصر من المقاومة بظرف أربع ثوانٍ من المعركة، واستطاعت إسرائيل أن تستهدف معظم قادة الصف الأول وخاصة ألوية النُخبة التي هي فرقة أو قوّة الرضوان، واستهدفت القائد الأعلى لهذه المقاومة، فإنّ أيّ جيش في العالم كان سوف يستسلم وخاصة هذا المُقاتل المُرابِط في جنوب لبنان الذي عَلِم أن هناك 4000 مقاتل تقريبًا خرجوا من المعركة ومعظم قادة الصف الأول أصبحوا شهداء والقائد الأعلى للمقاومة أصبح شهيدًا أيضًا، ومقابله على بُعد أمتار هناك سبعون ألف جندي مُدجّجون بمئات الدبّابات، فوقهم مئات الطائرات مُحمّلة بأضخم القنابل الأمريكية. يعني أول ما يرى أول دبّابة تخرق الحدود اللبنانية كان يجب أن يستسلم، وهذا يدلّ على مِنعة وقوَة المقاومة. استعادت المُبادرة وانتقلت من مرحلة تلقّي الصدمة، استيعاب الصدمة وبدأت بالدفاع، يعني أول ما بدأ الهجوم البرّي الإسرائيلي الذي لأجله كانت تعتقد إسرائيل أنها بعملية البيجر وباغتيال السيّد حسن نصر الله واغتيال قادة الصف الأول أصبحت المقاومة آيلة إلى السقوط. فلذلك اتّخذت القرار ببدء الهجوم العسكري البرّي، وللمعلومات أيضًا، كانت إسرائيل تعتقد أنها تستطيع أن تحتلّ كامل جنوب الليطاني وهذا كان هدفها، وليس كما يتحدّث الناس. والإثبات على ذلك، طلبت من قوات اليونيفيل إخلاء مراكزها والتوجّه شمالًا، واليونيفيل رفضت ذلك، فقامت إسرائيل باستهداف مراكز اليونيفيل حيث سقط عدد من القتلى إلى أن وصلت إسرائيل إلى استهداف مدخل قيادة قوات الطوارئ الدولية في الناقورة. هذا يُثْبِت أنّ إسرائيل كانت تريد أن تحتلّ كامل جنوب الليطاني وواجهت وانصدمت بقوّة المقاومة وبتصدّيها وباستبسال المقاومين، وفي عدّة محاور لم تستطع إسرائيل أن تخترق سوى في منطقة شمع بعُمق أربعة كيلومترات، حتى في بلدة الخيام ثلاث فِرَق تعاونت لاحتلالها ولم تستطع.
· المقدمة وفا سرايا: الملحمة الأكبر كانت في هذه الحرب.
· العميد منير شحادة: هنا المقاومة انتقلت من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، وبدأنا نشهد صواريخ تسقط في تل أبيب، هناك طائرة مُسيّرة دخلت ووصلت إلى غرفة نوم نتنياهو. نتنياهو اعترف بأنه لو كان هناك لكان قد قُتِل، واستهدفت أيضًا قيادة اللواء جولاني حيث سقط فيها مئة بين قتيل وجريح. كل هذه العملية هي انتقال المقاومة من استيعاب الصدمة إلى الدفاع.
· المقدمة وفا سرايا: الامتحان الأصعب كان لها بعد استشهاد القادة ولا سيما نتحدّث عن شهيد الأمّة الشهيد حسن نصر الله.
· العميد منير شحادة: هنا استشهاد الأمين العام لحزب الله ووصول الخبر إلى المُقاتلين الموجودين على الجبهة، فعندها رأوا بأنه لم يبقَ شيء غالٍ وله قيمة بعد خسارة الأغلى، فأصبحوا استبساليّين وقاوَموا بشراسةٍ وصَمَدَ المقاومون ووصلنا إلى مكانٍ بحيث إسرائيل هي من طلبت وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني.
· المقدمة وفا سرايا: هذا ما سأتحدّث عنه لكن قبل الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار سيادة العميد، ما هو مسار المواجهة البرّية الذي كان؟ الأول من =أوكتوبر كان نقطة مفصلية بالنسبة للإسرائيلي واتّضح الهدف الأساسي لاحتلال مساحات قد تصل به إلى العاصمة بيروت وتكرار سيناريو بالنسبة له عام 82. ما الذي جرى بالمواجهة البرّية؟ بالقراءات والتقييمات العسكرية؟
· العميد منير شحادة: بدأت إسرائيل بالهجوم البرّي، من مسكاف عام بدأت بهجومٍ برّي بالدبّابات، استهدفت المقاومة عدداً من الدبّابات ودمّرتها ثم عاودت محاولة الدخول من الغرب من جهة الناقورة. تعرّضت القوات المُهاجِمة الإسرائيلية لصواريخ المقاومة الكورنيت والماس أدّت إلى تدميرِ عددٍ من الدبّابات، حاولت دبّابات أخرى الدخول لإنقاذ آخرين، كما نذكر يومها تقريبًا 72 ساعة والمعركة قائمة ولم تستطع إسرائيل أن تدخل من الغرب الذي هو على الشاطئ. حاولت من القطاع الأوسط أيضًا - هنا أريد أن أذكر عملية القطاع الأوسط - كانت مهمّة جدًا فهناك جرت مقابلة مع أحد الضبّاط الإسرائيليين في لواء جولاني وقال: "دخلنا إلى أحد المباني وفجأة دخل إلينا ثلاثة مقاتلين فقط، فاجأونا وأمطرونا بالأسلحة الفردية والأسلحة الرشّاشة ولم نستطع أن نردّ عليهم من هَوْل المُفاجأة". هنا انتقلت إسرائيل عندما فشلت في الدخول بواسطة دبّابات ومنعًا لحصول مجزرة 2006 وادي الحجير بدأت ترسل قوات راجِلة، قوات خاصة من لواء المظلّيين أو من لواء جولاني تدخل ليلًا تسلّلًا وهكذا استطاعت أن تخرق مئات الأمتار على طول الحدود إلا في منطقة شمع وصلت إلى بُعد أربع كيلومترات، يومها قُتِل العالم التاريخي إذا نتذكّر في المركز.
· المقدمة وفا سرايا: وهنا تمّ التساؤل يعني ما الذي يأتي بهذا العالِم والمؤرِّخ؟
· العميد منير شحادة: في الآخر، ركزوا على الخيام، ثلاث فِرَق حاولت مساعدة بعضها لاحتلال بلدة الخيام ولم يستطيعوا وكانت هنا المقاومة استعادت المبادرة وبدأت بإطلاق الصواريخ الباليستية على تل أبيب وحيفا ما أجبر إسرائيل على طلب وقف الحرب.
· المقدمة وفا سرايا: لأنه هنا نتحدّث باستمرار عن هذه المواجهة البرّية، كانت هناك استمرارية لإطلاق الصواريخ والمُسيّرات وعِلماً أيضًا هنا تمّ الحديث وقتها أنّ هناك ضرباً لهذه المخازن ولا سيما مداخل هذه المخازن بالصواريخ وبالتالي ليس لديهم قُدرة.
· العميد منير شحادة: إذا تسمحين سنتكلّم عن المُسيّرات فهذا الموضوع مهمّ جدًا، ما هو السبب وراء عجز إسرائيل عن التصدّي لمُسيّرات المقاومة؟ كانت المقاومة تستعمل عمليات مُركّبة تطلق صواريخ كاتيوشا، تطلق طائرات ألعاب، طائرات لتُشْغِل منظومة الدفاع الجوّي، ومن خلالها تُطلِق الطائرات المُسيّرة على علوّ مُنخفض وكانت المقاومة قد دمّرت معظم الأعمدة وأجهزة التجسّس المنتشرة على الحدود اللبنانية الجنوبية وخاصة قاعدة ميرون. هنا أصبحت إسرائيل عمياء لناحية التصدّي للطائرات المُسيّرة، فنجحت المقاومة في استعمال هذا السلاح لخرق الأجواء الإسرائيلية وتشكيل خطر كبير على إسرائيل في هذه المعركة.
· المقدمة وفا سرايا: أنا سأنتقل إلى المُعادلات التي أعلنها الشيخ نعيم قاسم كيف تُرْجِمَت على الأرض؟ استهداف تل أبيب، استهداف حيفا سيادة العميد ولماذا تمّ تأجيل الإعلان عن الاستشهاد؟ لانه إذا كنا نتذكّر بعد انتخاب الأمين العام الجديد الشهيد السيّد هاشم صفي الدين، كانت هنالك غارات متواصلة من قِبَل الإسرائيلي لمنع الوصول إلى مكان الاستهداف، لماذا تمّ تأخير ذلك؟ هل هنالك من تأثير كذلك معنوي على المُقاتلين بالمجال البرّي؟
· العميد منير شحادة:لا، هذا المفهوم من ناحية العقيدة أنه لا يمكن أن يعلنوا وفاة أيّ عنصر إلا بعد التأكّد، وكانت إسرائيل تمنع القوى أي الدفاع المدني للذهاب لانتشال الجثث أو انتشال الجرحى من هذا المكان إلا بعد أن تأكّدوا أن أمين عام حزب الله الشهيد هاشم صفي الدين قد اسْتُشْهِد، عندها هنا المقاومة أعلنت عن استشهاده وتعيين بديل منه وهو الشيخ نعيم.
· المقدمة وفا سرايا: كان ذلك في 29 تشرين الأول أكتوبر. المعادلات التي أعلنها الشيخ نعيم قاسم هل كانت تعكس واقعاّ ميدانياً وبالتالي تُرْجِم؟
· العميد منير شحادة: هناك إثبات على ذلك.
· المقدمة وفا سرايا: ما هي هذه الإثباتات؟
· العميد منير شحادة: الإثبات هو عندما ابتدأت المقاومة باستعادة المُبادرة وبدأت إطلاق الصواريخ الباليستية ونذكر نهار الأحد الشهير الذي سقطت فيه صواريخ باليستية دقيقة ونُقطيّة في تل أبيب، سارعت إسرائيل للطلب من أمريكا للتوسّط لوقف إطلاق النار لأنها لا تريد أن تُدمَّر أحياء في حيفا وتل أبيب طالما أنها تمكّنت من إخراج 4 آلاف مقاتل تقريبًا من عناصر المقاومة بعمليات البيجر واغتيال معظم قادة الصف الأول ووصلت إلى الأمين العام لحزب الله، فهي رأت أنّه يجب أن تتوقّف الحرب هنا لتفرض هذا الواقع الذي فرضته منذ السابع والعشرين من تشرين حتى اليوم وهو حرية الحركة بتغطية أميركية. فإذًا ما أجبر إسرائيل وما جعل إسرائيل هي مَن تطلب وقف إطلاق النار هو عندما لاحظت أن المقاومة استعادت المُبادرة وبدأت باستعمال الصواريخ الباليستية التي استهدفت حيفا وتل أبيب.
· المقدمة وفا سرايا: إلى المحور الثالث والأخير صمود عسكري استثنائي حقّقته المقاومة الإسلامية في لبنان بفضل عوامِل عديدة من إعادة التموضُع السريع إلى الالتفاف الشعبي حول القيادة والمقاومة وكذلك النَهْج.
· تقرير: صمودٌ عسكريٌّ أعاد قلب حسابات الاحتلال سجّلته المقاومة الإسلامية في لبنان بفضل عوامِل رئيسيةٍ حاسِمة أولها إعادة البنية القيادية للمقاومة لملء الشواغِر وانتخاب الأمين العام، ثانيًا الصمود التاريخي للمقاومين في القرى الأمامية الذين منعوا الاحتلال من التقدّم إلى عُمق جنوب الليطاني، فيما واصلوا عملية استنزاف الجبهة الداخلية. وثالثًا البيئة الحاضِنة للمقاومة والالتفاف الشعبي حولها وحول هذا الخيار هي عوامِل مجتمعة دفعت إلى تسارُع الاتصالات التي قادها "آموس هوكستين"جرى تفويض رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي تولّي الاتصالات من الجانب اللبناني. في الأثناء كانت قيادة حزب الله تدقّق في التفاصيل المُقدّمة ضمن المُقترحات ووضعت مع برّي الخطوط الحمر ومنها حَصْرُ تطبيق الاتفاق بالجيش اللبناني وعدم صلاحية أيّ طرف دوليّ للقيام بأيّ نشاط مباشر على الأراضي اللبنانية. وبغض النظر عن العوامل أو الأسباب والظروف التي أدّت إلى استشهاد القادة في المقاومة فإنّ الحرب الراميةَ إلى إنهاء حزب الله ظلّت بعيدةً عن غاياتها ومساعي فصل البيئة الشعبية عن المقاومة لم تُفْلِح والصمودان العسكري والإنساني يتكشّفان عبر مشاهِد العودة الكبرى منذ اللحظات الأولى لوقف إطلاق النار.
· المقدمة وفا سرايا: إذًا سيادة العميد منير شحادة كما توقّع الاحتلال بأن ينتهي الحزب باغتيال قادة وكوادر عسكرية كان هنالك ضغط على هذه البيئة الحاضِنة. هناك عنوان لا يُمكن تخطّيه: الصمود العسكري وهناك تشعُّب لعناوين أساسية. هل هذه هي كانت المُسبّبات أو العوامِل الأساسية التي أدّت إلى تكثيف الاتصال والوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار؟ ولماذا تشدّد؟ يعني اليوم من بداية هذه الحلقة بأنّ الإسرائيلي هو مَن طلب وقف إطلاق النار وقتها.
· العميد منير شحادة: يعني أعود وأعيد أنّ إسرائيل كانت تعتقد أنه باغتيال سماحة الأمين العام وعدد كبير من معظم قادة الصف الأول وعملية البيجر أصبحت المقاومة آيلة للسقوط وأصبحت هناك فرصة ذهبية لإسرائيل لاجتياح وإذا كان لها أن تصل إلى بيروت لم تكن لترفض ذلك. لكن أول شيء كان هدفها احتلال كامل الجنوب الليطاني وقلت لكِ أنهم طلبوا من قوات الطوارئ الدولية، ولكن الصمود الأسطوري للمقاومة وكل ما يقال أنه أظهرت المقاومة أنها لا تردع إسرائيل وهنا أفتح هلالين لأقول (ما هو الردع؟) هناك خطأ شائع عند كل الناس يعتقدون أن الردع يعني يمنع العدو الإسرائيلي أن يتخطّى الحدود أبدًا ولا متر، الردع هو أنك تمنع العدو وتجعله يحسب حساب قبل شنّ أية حرب عليك، هذا هو الردع. يعني سأعطي السؤال بطريقةٍ مُعاكسة: إيران قصفت قلب إسرائيل ودمّرت جزءاً كبيراً من تل أبيب وحيفا، هل نستطيع أن نقول إسرائيل ليس لديها قوّة ردع؟ حسنًا المقاومة أجبرت المُستعمرات الشمالية على إفراغها ونزوح السكان من المستعمرات الشمالية واستطاعت المقاومة أن تقصف قلب تل أبيب ووصلت إلى غرفة نوم نتنياهو وقصفت قيادة اللواء جولاني. هل نستطيع أن نقول إسرائيل ليس لديها قوّة ردع؟ ليست هكذا هي قوّة الردع، قوّة الردع هي أنّ إسرائيل كانت منذ الأول تجتاح لبنان بفرقة موسيقية، أما الآن 66 يوماً بخمس فِرَق - سبعون ألف مقاتل.
· المقدمة وفا سرايا: لكن كانت هناك وجهة نظر أخرى سيادة العميد بأنه قبل الثامن من أكتوبر كانت إسرائيل تحسب ألف حساب حتى ولو لمُحلّقة أو مُسيّرة إسرائيلية يتمّ إسقاطها من قِبَل المقاومة وبالتالي انتهاك سماء لبنان ليس بالأمر =السهل. فمن هنا يتمّ الحديث بأنّ هذه المعركة أو هذه الحرب غيّرت موازين الردع.
· العميد منير شحادة: هنا سأجاوبك لو أنّ أيّ جيش في العالم، مثلًا الحرب الآن بين أوكرانيا وروسيا، لو أنّ روسيا تصل إلى أنها تقتل 4000 جندي أوكراني بأربع ثوانٍ وتقتل معظم قيادات الصفّ الأول وتقتل رئيس أوكرانيا، سيستسلم الجيش الأوكراني. فإنّ أيّ جيش في العالم وليس فقط الجيش الأوكراني، هذا يدلّ على أنّ المفروض أنّ المقاومة فعلاً، وأنا رجل عسكري ولديّ 40 سنة خدمة، إذا عَلَمتُ بخسارة كل قيادات الصف الأول عندي والقائد الأعلى لجيشي استشهد وأنّ الجنوب مُدمّر والضاحية مُدمّرة والبقاع مُدمّر وأجد أنّ هناك سبعين ألف جندي مقابل لي فسأرفع الراية البيضاء. هذا يدلّ على قُدرة المقاومة أولًا على استيعاب الصدمة، ثانيًا على البدء بالدفاع وثالثًا على البدء بالهجوم. لا ننسى الطائرات المُسيّرة التي وصلت، ولا ننسى صواريخ الألماس، ولا ننسى الصواريخ البعيدة المدى الباليستية التي وصلت إلى تل أبيب وحيفا. وهنا أقول لكِ إسرائيل عندما وجدت أنها اغتالت معظم قادة الصف الأول واغتالت السيّد حسن نصر الله واستطاعت أن تدمّر قسماً من الجنوب والضاحية وبيروت، ليست مستعدّة لأن تتلقّى صواريخ المقاومة طالما أن المقاومة استعادت المبادرة وبدأت باستعمال الصواريخ الباليستية باتجاه تل أبيب باتجاه حيفا. فهي مَن أوقفت الحرب وليس أنها انكسرت، فلنكن واقعيين، بل هي رأت أنّ معظم قادة الصف الأول تمّ اغتيالهم والسيّد حسن نصر الله القائد تمّ اغتياله وتدمير.
· المقدمة وفا سرايا: والدليل أنّه جرى الالتفاف السياسي والدليل أنه حصل وحقّقت ما أرادت، إسرائيل ما بعد وقف إطلاق النار وليس كما ما قبله.
· العميد منير شحادة: حقّقت إسرائيل بوقف إطلاق النار ما لم تستطع أن تحقّقه في الحرب لأنّ هناك غطاء أمريكياً سرّياً ما بين أمريكا وإسرائيل أنه تستطيع أن تُبقي حرية الحركة بهذا الشكل. فدخلت إلى لبنان بالجرّافات وجرفت معظم القرى على تخوم الحدود واستمرّت بالقصف والخروقات والاغتيالات حتى هذه اللحظة. ولبنان لا زال مُلتزمًا بوقف إطلاق النار على أساس أنه الأسلوب الدبلوماسي أو الطريق الدبلوماسي يمكن أن يؤدّي، ولكن عَرْبَدة إسرائيل في كل المنطقة وليس فقط في لبنان. انظري مثلًا الآن إسرائيل عندما سقط نظام بشّار الأسد، ساعات قليلة كانت على أبواب دمشق، والبارحة قُصِفَت قطر، فماذا نَفَعَ قطر مكتب التعاون الموجود لديها؟ والقواعد العسكرية الأميركية؟ فإذًا مع إسرائيل لا توجد ضوابط ولا توجد اتفاقات ولا قوانين دولية ولا قرارات دولية ولا تحترم شيئاً طالما أنّ أمريكا تغطّيها بكل شيء. ولنأخذ مثال البارحة، حصل تصويت على وقف إطلاق النار في غزّة، 14 دولة من أصل 15 دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي صوّتت أيّ الأغلبية العظمى، استعملت أمريكا حقّ نقض الفيتو بجواب من رئيس أميركا ماذا قال؟ لم أرَ مجزرة مجاعة في غزّة ولم أرَ إبادة جماعية، كل ما رأيته هو عمل إرهابي قامت به حماس على الشعب الإسرائيلي.
· المقدمة وفا سرايا: بعنوان الصمود العسكري أشرنا يمكن بالتفصيل على إعادة البنية القيادية للمقاومة، أيضًا الصمود التاريخي للمقاومين بالقرى الأمامية، ولكن هناك جزء مهمّ وهو ثبات هذه البيئة الحاضِنة. أريد أن نعود إلى يوم السادس والعشرين من كانون الثاني تحديدًا حينما تابعنا قبل ثمانية أشهركانت العودة التلقائية العفوية بكل شجاعةٍ لأبناء هذه القرى والشهداء وكانت الدبّابات تُصوِّب هذه الدبّابات بوجه هؤلاء المواطنين والمدنيين، ما الذي ثبّتته هذه الصورة؟
· العميد منير شحادة: كانت تعتقد إسرائيل أو حتى كل مَن يُناهِض المقاومة في الداخل وفي الخارج كان يعتقد أنه بعد الحرب التي جرت في 66 يوماً وحرب الإسناد التي قامت بها المقاومة أنه جمهور مقاومة يعني انقلب على المقاومة ولم يعد مؤيّداً. ما حصل عندما وصلنا إلى نهاية الشهرين الستين يوماً، رأينا أنه بشكل تلقائي جمهور المقاومة وكل الشعب الجنوبي توجّه بصدور عارية يريد أن يدخل إلى قراه وبالقوّة حتى أنّ الجيش اللبناني وقف حاجِزاً أمامه بشكل أنّ هناك خطراً للدخول الإسراٍئيلي، والعدو لا يؤتَمَن له وهذا ما حصل. ولكن اندفاع شعب الجنوب باتجاه قراه يريد أن يتفقّد شهداءه لأنه بقي عدد كبير من الشهداء تحت الأنقاض، الأب والأمّ والأخت والزوجة كلهم توجّهوا إلى الجنوب ليتفقّدوا الشهداء وقد أجبروا الجيش اللبناني على السير مع الجحافل التي سارت بصدورٍ عارية باتجاه بلداتهم وقراهم مما أجبر إسرائيل على إطلاق النار بشكل قاتل وسقط في أول يوم على ما أعتقد 22 شهيداّ، وهذا لم يمنعهم، فمن المفروض بأنّ شعباً تعرّض باليوم الأول من الدخول إلى القرى بهذا الشكل ويتعرّض لسقوط 22 شهيداً.
· المقدمة وفا سرايا: أن يُفَرْمِل هذه العودة.
· العميد منير شحادة: المفروض في اليوم التالي لا يذهب مرة أخرى، ولكن على العكس في اليوم الثاني كانت أكبر وفي اليوم الثالث أكثر مما اضطرّ الجيش اللبناني على السير مع جمهور المقاومة الذي كان يمشي سيرًا على الأقدام وبصدور عارية.
· المقدمة وفا سرايا: سنصل إلى استشراف المرحلة المقبلة، وصلنا بهذه السرديّة من مرحلة الإسناد إلى أيلول الأسود إلى توسيع العدوان، المواجهة البرّية، وصولًا إلى وقف إطلاق النار. اليوم في ظلّ حديث كثير عن إمكانية تجدّد العدوان الإسرائيلي على لبنان، ما حقيقة القُدرات والإمكانيات التي يمتلكها حزب الله؟ هل قادر على المواجهة؟ هل تعافى حزب الله سيادة العميد بالبنية الهيكلية العسكرية أتحدّث؟
· العميد منير شحادة: يعني عندما حصل وقف إطلاق النار واستمرّت إسرائيل بهذه الخروقات لحدّ الآن وقد أصبحوا أكثر من 4500 خرق. لا زالت المقاومة تلتزم بوقف إطلاق النار ونستطيع أن نستفيد من تصريح أمين عام حزب الله الذي قال أنه قد استعدنا قُدراتنا ورمّمنا قُدراتنا بشريًا وعسكريًا ونحن جاهزون ونحن لن نبقَ مكتوفي الأيدي إلى الأبد، نحن نعطي السلطة السياسية كونه في هذه الفترة تمّ انتخاب رئيس جمهورية جديد وحكومة جديدة يعني أصبح هناك عهد جديد في لبنان. المقاومة تعطي فرصة لهذه السلطة بأن تثبت جدوى الدبلوماسية، ستمرّ سنة إلى الآن وهذه الدبلوماسية لم تنفع وهناك دليل أكثر هو قطر. حسنًا نحن حاليًا ضُغِطَ على السلطة السياسية في لبنان لإصدار قرار من مجلس الوزراء بحصر السلاح بِيَدِ الدولة وكُلِف الجيش اللبناني بوضع خطّة لتنفيذ هذا القرار بمهلة نهاية هذا العام. ولكن المقاومة عندما وقفت بشكلٍ حازمٍ مع هذا القرار الذي اعتبرته قراراً غير ميثاقي، هكذا قالت سوف نعتبره كأنه غير موجود وثم أصدرت تصريحاً بشكل تصعيدي أكبر وقالت أنه سوف نحمي هذا السلاح وسنقاتل قتالًا كربلائيًا. وأيضًا هناك خطاب آخر لأمين عام حزب الله أنه مَن ينزع سلاحنا كمَن ينزع روحنا، يعني فالسلطة السياسية تفهم هنا وكل مَن يضغط على هذه السلطة السياسية من الخارج بأنّ المقاومة مستعدّة لتواجه منعًا لنزع السلاح.
· المقدمة وفا سرايا: ومنعًا لأية فتنة داخلية لأنه هنا هدف أساسي ورئيسي بالضغوط الأميركية.
· العميد منير شحادة: لنقل لك الحقيقة، كانت هناك بالخارج فكرة أنه كانت هناك فرصة ذهبية للقضاء على المقاومة ليس فقط عسكريًا وحتى سياسيًا أي إخراجها من المشهد السياسي كليًا. ولكن صمود المقاومة ومُجابهة هذا القرار بهذه الطريقة.
· المقدمة وفا سرايا: ولم يذهب ولم ينتهِ، الآن التعويل على الانتخابات.
· العميد منير شحادة: الآن هنا نسينا أن نمرّعلى الانتخابات البلدية، فهي تأييد ومحطّة أساسية ومؤشّر مهم جدًا أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، بأنه كانوا يعتقدون أنّ جمهور المقاومة الآن قد انقلب على المقاومة. فالإنتخابات البلدية أثبتت أن التأييد تضاعف، وغدًا في الإنتخابات النيابية سنرى أيضًا، فأولًا نسبة الاقتراع في بيئة المقاومة وجمهور المقاومة ستتخطّى السبعين في المئة، أنا لست أتوقّع ولا أحلّل بل أنا متأكّد، وسستكون الكتلة النيابية للثنائي الشيعي ليست 27 بل ستكون 30. فإذًا هذا يؤكّد أن جمهور المقاومة لا زال مؤيّدًا لنَهْج المقاومة ولنَهْج مقاومة إسرائيل ولا يمكن أن يرضى بما يُحاك للمنطقة من تطبيع أو سلام مع إسرائيل، هذه نقطة. نعود للموضوع الذي قلت لي عنه الميداني والعسكري: ففي الميداني إذًا وصلنا أنه لما رأت السلطة السياسية والخارج أنّ المقاومة مستعدّة أن تصل لمحلّ تتصادم وتمنع هذا الشيء، تمّت تخريجة حينها بحِنْكة دولة الرئيس برّي وبوعدٍ من رئيس الجمهورية باتصالاته مع أمريكا أنّ هذا الموضوع في الحقيقة سيُدخِل البلد في جهنمّ، وتمّت تخريجة من الجيش اللبناني وبحكمته ووضع خمس مراحل. وضع فيها المرحلة الأولى هي جنوب الليطاني شرط أن تنسحب إسرائيل من النقاط السبع التي كانت خمساً وأصبحت سبعة، ووقف الاعتداءات لكي يتمكّن الجيش اللبناني من استكمال المرحلة الأولى لينتقل إلى المرحلة الثانية. وهنا سُحِبَ الفتيل وهذه كانت فيها حِكمة، والآن هنا =إسرائيل هذا الموضوع لم يعجبها وشهدنا تصعيداً بالقصف الجوّي بميدان شمال الليطاني قصف عشوائي وتحت ذريعة إسرائيل باستهداف بنى تحتية للمقاومة. وفي آخراستهداف لها مجزرة بنت جبيل، هذا يدلّ على أنّ إسرائيل تقول للبنان عدّة رسائل: أولًا نحن لسنا راضين عن خطّة الجيش اللبناني، ثانيًا لا استقرار في الجنوب وخاصة أنه نحن على أبواب موسِم دراسي جديد، في بعض القرى أُحْضِرَت بيوت جاهزة لإنشاء مدارس، فهي تقول للنازح الجنوبي أنه لا يوجد استقرار. ثالثًا كانت هناك زيارة ل "أورتاغوس" لأنّ إسرائيل دائمًا تستبق أيّة زيارة لأيّ مندوب أجنبي إلى لبنان بتصعيد، الآن ممكن أن يكون هناك تصعيد بعد أكثر؟ نعم ممكن أنا أتوقّع أن يكون هناك تصعيد أكثر.
· المقدمة وفا سرايا: ما هو أفق هذا التصعيد؟ دخول برّي يعني محاولة الاحتلال البرّي أم قصف جوّي عنيف؟
· العميد منير شحادة: نتكلّم الحقيقة وعسكريًا ليست بحاجة إسرائيل للتوغّل البرّي طالما أنها فارضة بكل المنطقة وليس فقط في لبنان حرية حركة تقصف أينما تشاء فقصفت قطر، تقصف سوريا، تقصف أين ما تريد، فهي في لبنان ليست بحاجة لدخول برّي. لكن أنا أتوقّع تصعيداً بالقصف الجوّي ويمكن أن يطال مناطق أخرى.
· المقدمة وفا سرايا: لكن ما هي الأهداف؟ ما المُراد إسرائيليًا أن يحقّق عدوان جديد لم يحقّقه قبل عام.
· العميد منير شحادة: نتكلّم الحقيقة وأنا أعتذر سأقولها، إسرائيل معتمدة على فريق في لبنان يتماهى معها.
· المقدمة وفا سرايا: يعني تقليب الوضع الداخلي من جديد وخلق فتنة جديدة.
· العميد منير شحادة: هذا الذي أراه، فهي ليست بحاجة، وغير ذلك إسرائيل لا تعمل عند أحد، فأصبحت جبهتيّ لبنان وغزّة أفضلية ثانية لدى إسرائيل. الآن لديها تقسيم سوريا وحرب جديدة على إيران هو الهدف الأساسي لها.
· المقدمة وفا سرايا: باستكمال السؤال الأخير: حزب الله جاهز الآن لأية مواجهة؟ أتحدّث بالبُعد العسكري له، بالبُعد الاستراتيجي؟
· العميد منير شحادة: لنأخذ تصريح الأمين العام لحزب الله هو مَن قال منذ أيام أنه نحن مستعدّون واستعدنا قُدراتنا ونحن جاهزون لأية حرب ولا تجرّبونا. فإذًا أنا أرى بأنّ المقاومة جاهزة في حال قرّرت إسرائيل بسؤالك بعملٍ برّي، فلنرَ إذا باستطاعة المقاومة أن تردّ أو لا.
· المقدمة وفا سرايا: سيادة العميد منير شحادة أشكرك جزيل الشكر بتحليل سرديات أولي البأس والشكر الأكبر لكم مشاهدينا الأكارم على طيب المتابعة، في أمان الله.