"فايننشل تايمز": بعد سجن بولسونارو وأخطاء أبنائه.. اليمين البرازيلي يبحث عن زعيم جديد
مع تدهور وضع جايير بولسونارو وتراجع نفوذ عائلته، يبرز تارسيسيو دي فريتاس كأبرز خيار لليمين في معركة الرئاسة المقبلة في البرازيل.
-
الرئيس البرازيلي السابق اليميني جايير بولسونارو (أ.ف.ب)
يسعى اليمين البرازيلي اليوم إلى العثور على زعيم جديد، بعدما تهاوت مكانة عائلة بولسونارو التي شكّلت لسنوات واجهة هذا التيار. فمع سجن جايير بولسونارو وتراجع الدعم الخارجي الذي كان يراهن عليه، تبدو الحركة اليمينية في حالة ارتباك غير مسبوقة، وفق صحيفة ـ"فايننشل تايمز" البريطانية.
بولسونارو، الرئيس السابق الذي بنى حضوره على خطاب يميني متشدد وتماهٍ واضح مع نهج ترامب، حاول أن يؤسس سلالة سياسية. غير أنّ هذه السلالة تتفكك اليوم سريعاً، بعد إدانته بتهمة التخطيط لانقلاب، وتعثّر أبنائه السياسيين بسلسلة من الأخطاء التي لاحقتهم محلياً وخارجياً.
وقالت "فايننشل تايمز"، إنّ استراتيجية العائلة في طلب المساعدة من واشنطن أثمرت نتائج عكسية فادحة: "فعندما واجه بولسونارو المحاكمة في البرازيل، مارس ابنه النائب إدواردو ضغوطاً نيابةً عنه في الولايات المتحدة، ما أدى إلى فرض تعرفات تجارية أغضبت طبقة رجال الأعمال في البلاد وتركت إدواردو عُرضةً للاتهامات في وطنه. وفشلت الحملة في منع سجن والده".
وأشارت الصحيفة، إلى تزايد الشكوك داخل الأوساط المحافظة بشأن قدرة العائلة على لعب أي دور سياسي مؤثر مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي المقبل.
حاول الرئيس السابق تبرير إتلافه جهاز المراقبة الإلكتروني بالقول إنّ الأدوية التي تناولها لعلاج نوبات الفواق الشديدة تسببت في هلوسات. غير أنّ هذه الرواية زادت من حيرة الرأي العام.
وعلّق موريلو دي أراغاو، مدير شركة "أركو أدفايس" للمخاطر السياسية، بالقول إنّ الناخبين ينظرون إلى بولسونارو ويتساءلون عمّا يجري، معتبراً أنّ ما يحدث يضعف الرجل، لكنه لا ينهي حضور اليمين في البلاد.
وأصبح إدواردو مهدداً بالملاحقة القضائية إذا عاد إلى بلاده. ويقول مسؤول رفيع في إحدى المؤسسات المالية البرازيلية إنّ أخطاء العائلة دمّرت صورتها السياسية، واصفاً سعي إدواردو إلى استمالة ترامب بأنّه "مستَهجَن تماماً".
في المقابل، حاول فلافيو، الابن الأكبر والسيناتور البارز، الظهور بموقع البديل من خلال تنظيم تظاهرة لمؤيدي العائلة الأسبوع الماضي، لكن هذه الخطوة جاءت بنتيجة عكسية بعدما أدّت إلى احتجاز والده.
وهكذا، تبدو حركة اليمين البرازيلي اليوم أمام مفترق طرق: انهيار زعيمها التاريخي من دون بروز بديل قادر على ملء الفراغ، ومشهد سياسي يتغير بسرعة تحت ضغط المحاكمات والفضائح والانقسامات الداخلية.
وبعد أن دعا فلافيو إلى إنقاذ والده، انتقد قاضي المحكمة العليا المُشرف على قضية والده فلافيو بشدة، مُتهماً إياه بـ"محاولة إثارة الفوضى والصراع".
صعود تارسيسيو دي فريتاس كخيار لليمين
وأشارت صحيفة "فايننشل تايمز"، إلى أنّ جايير بولسونارو، الذي بلغ السبعين وتدهورت صحته في السنوات الأخيرة، سيقضي ما تبقّى من حياته خلف القضبان، بعدما فشلت الضغوط الشعبية والسياسية في إصدار عفو عنه.
ورأى محللون أنّ المخرج الوحيد للرئيس السابق من هذا المصير هو أن تتخلّى عائلته عن طموحها بإيصال "بولسونارو جديد" إلى الرئاسة، ودعم مرشح محافظ آخر قادر على توحيد اليمين.
وفي هذا السياق، يبرز اسم تارسيسيو دي فريتاس، حاكم ولاية ساو باولو، باعتباره المرشح الأوفر حظاً داخل المعسكر اليميني. فدي فريتاس، المهندس العسكري السابق ووزير البنية التحتية خلال حكم بولسونارو، يحظى بقبول واسع في أوساط مجتمع الأعمال، وقد حافظ على ولائه للرئيس السابق من خلال مشاركته في المطالبات بالعفو عنه.
وقال مدير تنفيذي في إحدى كبريات الشركات البرازيلية إنّ دي فريتاس "مدرَّب جيداً، يمتلك خبرة تقنية، ويتحدث لغة الأسواق المالية في فاريا ليما"، معتبراً أنه "ذكي وعملي بلا شك".
لكن فرص دي فريتاس لا تزال معلقة على موقف بولسونارو نفسه. فحلفاء الحاكم يؤكدون أنه لن يدخل السباق الرئاسي ما لم يحصل على دعم مباشر من زعيم اليمين، خصوصاً في ظل الهجمات التي شنّها إدواردو بولسونارو عليه ونعته بـ"مرشّح المؤسسة".
ورغم هذا التوتر داخل المعسكر الواحد، أشارت مصادر مقرّبة من دي فريتاس إلى أنّه بات أكثر ميلاً لخوض الانتخابات، وقد يحسم موقفه بحلول منتصف شباط/فبراير، على أن يغادر منصبه قبل نيسان/أبريل إذا قرر الترشح لانتخابات أكتوبر. ويرجّح مراقبون أنّ توافقه مع بولسونارو قد يُبنى على صيغة يختار فيها فلافيو بولسونارو نائباً له.
ومن داخل محيط الرئيس السابق، تتصاعد التوقعات بأن يعلن جايير بولسونارو اسم خليفته السياسي قبل نهاية العام، في خطوة قد تعيد رسم ملامح المشهد اليميني في البرازيل.