سوريا بين تحديات الداخل وتشابك الخارج.. مع هيثم مناع

تعقيدات داخلية… وتشابكات خارجية… سوريا اليوم تقف من جديد عند مفترقٍ حسّاس. الجنوب رازح تحت حسابات الإقليم و"إسرائيل"، والشمال في مهبّ التوتير والتسخين، فيما تتحرّك القوى الدولية لإعادة رسم الجغرافيا والتحكّم بالمسار السياسي. وفي خضم هذا المشهد، تولد أوّل معارضة مدنية للسلطة الانتقالية… فهل تشكّل “الكتلة الوطنية” بداية تغيير في المشهد السياسي، أم أنّها مجرّد تفصيل في صراع أكبر من الجميع؟ في هذه الحلقة، نناقش عنوان المرحلة المقبلة في سوريا: إلى أين تتّجه البلاد وسط هذا الاشتباك الإقليمي والدولي المتجدّد؟

نص الحلقة

 

مايا رزق: في عِلم النفس يُقال إن السكوت يبدأ بالصمت، وهو صمت داخلي يكتشف من خلاله المرء أن عالَمه انهار. وهنا يقف الدماغ البشري أمام خيارين فقط: إما المواجهة، مواجهة هذا الواقع المُرْعِب، أو الانسحاب، الهرب.

 

مايا رزق: الثامن من كانون الأول/ديسمبر من عام 2024، الرئيس السوري بشّار الأسد خارج الجغرافيا والسياسة السورية.

 

معتصم موصلّلي: بسم الله الرحمن الرحيم. أيها الشعب السوري العظيم، يا أبناء سوريا الحرّة! هنا دمشق عاصمة سوريا العظيمة. إن أبواب الحرية بدأت من اليوم. سنوات طويلة من الظلم عاناها الشعب السوري في سوريا والمهجر. نبثّ إليكم خبرًا تاريخيًّا لطالما انتظرناه جميعًا: إن الشعب السوري أسقط بشّار الأسد ومنظومته.

 

مايا رزق: الحاكِم ومنظومته يعكس في عِلم السياسة لحظة الانهيار الكامل: انهيار السيطرة والشرعية، ما قد يُشْعِل الصراعات الداخلية ويفتح شهيّة الدول الخارجية، وَسْط تصدُّع أمني واقتصادي، والأخطر التصدُّع الاجتماعي. وإن كان ما سبق عِلمًا نظريًّا، فإن ما يحصل في سوريا اليوم ربما من أحدث الأمثلة الواقعية. ولكن متى بدأ كل هذا، وكيف؟

 

العقيد حسن عبد الغني – المتحدّث باسم وزارة الدفاع السورية: إننا في إدارة العمليات العسكرية، وبإرادة لا تلين وعَزْم لا ينكسر، نعلن بدء عملية عسكرية لردع العدو ودَحْر قواته المُحْتَشِدَة، وإبعاد نيرانها عن أهلنا. هذه العملية ليست خيارًا، بل واجب علينا أن ندافع عن دماء أهلنا وأعراضهم وأرضهم.

 

مايا رزق: هي معركة التحرير الكبرى، كما وصفتها القوات المُسلّحة. معركة بدأت من محافظة حلب الغربية، تقول هيئة تحرير الشام، ثم اتّسعت لتشمل المدن السورية الأخرى، وتصل بعد 11 يومًا فقط إلى العاصمة دمشق.

 

أحمد الشرع – رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا: تاريخ جديد يا إخوان يُكْتَب في المنطقة بأسْرِها بعد هذا النصر العظيم. لا بدّ من أن نكون على قَدْر الهِبة التي أعطانا الله عزّ وجلّ إيّاها. يجب أن نعمل، نعمل بجد. علينا أن نبني سوريا، علينا أن نبنيها بشكلٍ صحيحٍ ومؤثّرٍ، وأن تعود سوريا إلى موضعها الريادي في العالم، بإذن الله تعالى.

 

مايا رزق: لا شكّ في أن تاريخًا جديدًا يُكْتَب لسوريا ولكل المنطقة. ولكن قبل أن نسأل مَن سيكتب هذا التاريخ، وكيف، كُثُر تساءلوا: كيف فعلتها هيئة تحرير الشام؟ وكيف تحوّل زعيمها أبو محمد الجولاني إلى رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع؟ وهل اللعبة داخلية أم أن هناك لاعبين كبارًا يقبعون في عواصم القرار؟

 

مايا رزق: لا يكشف جيفري ساكس سرّاً عندما يتحدّث عن ثلاثة لاعبين كبار على الساحة السورية: أمريكا وتركيا وإسرائيل. كما لا يكشف سرّاً عندما يتحدّث عن دعمٍ أمريكي ورغبة مُتَجَذِّرة مُتَجَدِّدة على مرّ السنين في رسْم المشهديّة السورية على الأرض.

 

مايا رزق: ما حصل في سوريا، التي لم تعرف استقرارًا منذ أكثر من عَقْدٍ، مُفاجئ نعم، ولكن في السياسة لا يوجد ما هو وليد اللحظة. فأيّ مُسْتَجَدّ هو دوجا في بالنسبة إلى مَن يُحْسِن القراءة، ومَن يراقب كل المشهد وأبرز شخصياته، مهما تبدّلت حلّته.

 

مايا رزق: عن أسلوب مُغاير للقتال يتحدّث ترامب، إلا أنه على الأراضي السورية مَن يمارس هوايته التقليدية المُفضّلة، وبأسلوب مباشر من دون الحاجة إلى أيّ تمويه أو تخفّي.

 

مايا رزق: قلب دمشق قصفته الطائرات الإسرائيلية، بعدما توغّلت عميقًا في الجغرافيا السورية من دون حسيب أو رقيب. كيف لا؟! وتل أبيب دمّرت ما للدولة السورية من قواعد وعِتاد عسكري، لتحتلّ وتتمركز في نقاطٍ ثابتةٍ ومُتنقّلة، وتعبث ببعض مُكوّنات المجتمع السوري.

مجتمع نزيفه لم يتوقّف، والحديث هنا عن مجازر مؤلمة، وسط ركود سياسي داخلي، برغم زُخْم الرحلات الدبلوماسية الخارجية.

ركود يراه مراقبون قاتِلًا للهوية السورية التعدّدية، وقاتِلاً للديمقراطية. والركود عادة لا يمكن كَسْره إلا بالعمل. فإلى العمل، إلى العمل، إلى العمل، قالتها أول معارضة مدنية للسلطة الانتقالية في سوريا.

إنها الكتلة الوطنية السورية ذات الأهداف الثلاثة: وحدة سوريا، قيام حكومة شعبية، وتشكيل جيش وطني.

فهل تنجح الكتلة الناشئة، التي تضمّ شخصيات تمرّست الجلوس على مقاعد المعارضة، =في خلق ديناميكية سياسية وسط حقل من الألغام القاتلة؟

عن سوريا ومخاضها العسير، أذهب أعمق مع المُفكّر والحقوقي وعضو الكتلة الوطنية السورية، دكتور هيثم منّاع.

 

مايا رزق: عمّا يجري في سوريا وعن هذا المخاض العسير، كما يُطلق عليه المراقبون، ينضمّ إلينا مباشرة دكتور هيثم منّاع، مُفكّر وحقوقي وعضو الكتلة الوطنية السورية. يسرّني أن تكون معنا في "اذهب أعمق" وعلى شاشة الميادين.

البداية ستكون مع عام 2012. سُئلت على شاشة الميادين: ما الذي يحصل في سوريا؟ فكانت الإجابة: اغتيال للثورة.

اليوم، دكتور هيثم، إذا طرحت عليكم هذا السؤال، هل سأحصل على نفس الإجابة؟

 

هيثم مناع: بالتأكيد، للأسف. حتى بعض صبية مركز الدوحة للأبحاث سمّوني بحزب "ألم نقل لكم"، لأن كل الذي شاهدناه للأسف خلال الفترة السابقة كان منظورًا لمَن لديه جملة: "ابحث أعمق".

إذا أردنا الدخول في الأمور ورؤية كيف... أنا اتّصلوا بي =مُبَكّرًا كُثُر من الأطراف من المعارضة وقتها للحديث عن أن أوقف لنا هذه الثلاثية، لأنه ستكون، ولن يُهزم هذا النظام إلا بالسلاح. ومشاكل كثيرة ونقاشات كثيرة تمّت بهذا الإطار.

إذًا، المشكلة الأساسية التي عشناها كانت الأمور منظورة. وأنا تحدّثت عن "الثورة المُضادّة" منذ شهر 8، ونشرت على الجزيرة نت، وما زال المقال موجودًا، وقلت بأنه إذا انتقلنا... لم أتحدّث أنا وأصدقاء الشعب السوري، وهذه القصص من الصِراع في سوريا إلى الصِراع على سوريا، فلن يبقى لنا أيّ خبز أو قُدرة على الفعل.

لأن سوريا مهمّة للجميع. سوريا ليست هي موضوع سهل. أهميّتها الاستراتيجية، مكانتها في شرقي المتوسّط، مكانتها التاريخية، ودورها في المنطقة العربية من الماء للماء.

فلذلك، إذا سلّمنا مصائرنا إلى صراعٍ على سوريا، نحن نذهب بين الأقدام.

 

مايا رزق: أفهم منك أنك كنت ترى، ربما أو تتوقّع، ما سيحصل في سوريا. وربما شكل نهاية هذه الحُقْبة، هل كان مُتوقّعًا بالنسبة لكم؟

 

هيثم مناع: لا. الشكل والناس التي وصلت... الحقيقة توقُّعها بدأ منذ عامين، لأنه بدأنا نسمع من باحثين عرب، كذا عضو الكنيست السابق فلان وكذا وكذا، أن هناك ثورة سنّية قادمة، وسُمّيت كانت التحضيرات واردة. ثم بدأنا نشاهد وفودًا تأتي من إدلب وتقابل هنا المُخابرات المركزية الأمريكية والمُخابرات البريطانية، ولم يكن هذا سرًّا.

أما الحقيقة، السيناريو هو الذي لم يكن معروفًا، حتى إسم العملية كان "ردع العدوان"، بمعنى أنهم سيصدّوا عدوانًا سيطالهم من قِبَل سلطة دمشق.

وما حدث حقيقة أن الناس التي تركت سلاحها من الجيش السوري، وهؤلاء أعتقد بأنهم أشرف الناس في الـ14 عامًا الماضية، وللأسف الآن منهم قرابة 22000 في السجون، يُعامَلون معاملة الحيوانات: لا زيارة، لا طعام، الجرب انتشر، الأمراض انتشرت في مختلف السجون.

ولما ذهبت لجنة الصليب الأحمر بعد ضغط منا لتزور أحد هذه السجون، منعوها من الدخول.

لدينا نحن اليوم مشكلة كبيرة: أن الناس التي جاءت إلى دمشق أولًا كانت تكتب منذ نهاية الـ2011 "الديمقراطية كفر"، وكانت تكتب "المسيحية على بيروت" و"العلوية على التابوت". فنحن نعرفهم، وكنا بحرب معهم دائمًا، لأن هؤلاء الأشخاص...

 

مايا رزق: ولكن عجزتم عن وقفهم؟

 

هيثم مناع: حاولنا بكل الوسائل. لذلك لجأنا لمجلس الأمن، طالبنا بقرارين من مجلس الأمن، وقرار خاص بهذه المجموعات، ونجحنا في إصداره.

كان عندنا خوف من أن وجود حماية لهم بشكلٍ أساسي كان من دولتين. لنسمِّ الأمور بأسمائها: من قطر وتركيا.

يمكن أن يوصلهم للسلطة. تركيا، كما يُقال، تفتح لهم أطول حدود لها مع بلدٍ آخر ليدخل الناس إلينا بالجُملة.

وقطر، مثلما يُقال، "المصرف"، تدفع التكاليف.

إذا المال توفّر، والحدود مفتوحة، والتسهيلات قائمة، حتى منظّمة "الآي إتش إتش" (IH H)، وهي منظّمة إنسانية، كانت تنقل سلاحًا.

 

مايا رزق: دكتور، كي نفهم أكثر، ما الذي يحدث اليوم في سوريا؟

يقول الفيلسوف الفرنسي جاك رانسيير في كتابه "كراهية الديمقراطية" — بما أننا تحدّثنا قبل قليل عن أن الديمقراطية هي كفر — يقول: "إن نهاية حُقبة سياسية لا تفتح بالضرورة على ديمقراطية جديدة، بل على إعادة توزيع أدوار"، أي وكأننا نستبدل شرطيًّا بشرطيٍّ آخر، وهو يحدّد مَن يتكلّم، ومَن يصعد، ومن يسقط، وإلى ما هنالك. هل يمكن إسقاط هذا الأمر على ما يحصل في سوريا؟

 

هيثم مناع: طبعًا. أودّ أن أنقل مثالًا: كنا في أوسلو في المُنتدى السنوي لأوسلو، وكان باتريك هانان — موجود الآن في القصر الجمهوري كمُستشار للرئيس الحالي الموجود في القصر — فقال لي باتريك: لماذا أنت ضدّ العُنف؟ هذه ثورة"

فقلت له: أعطني مثلًا واحدًا لحركة مسلّحة، بنجاحها، أقامت نظامًا ديمقراطيًّا أو دولة قانون.

قال لي: ليست هذه مشكلة. هو بالنسبة له المشكلة كانت هي أن ننتهي من هذا النظام، ثم نرى. ليست مشكلة.

وكل الدبلوماسيين، كل العناصر التي في الأزمات الدولية، مستشارين أيضًا، كل المجموعة التي كانت — بما فيه وزير الدفاع البريطاني السابق الذين شكّلوا "القبّعات البيضاء" — كل هذه المجموعات كان واضحًا أنها ستعوّل وتريد التعويل، تريد التعويل.

حتى الطرف الروسي — وهذه أقولها للمرة الأولى — طلب مني مرة الجنرال زورين: "هل لديك خيط لكي نتواصل مع هيئة تحرير الشام؟" كان آخر لقاء.

 

مايا رزق: متى كان ذلك؟

 

هيثم مناع: كان آخر لقاء لي معه. قلت له: إذا كنت تفكّر بسوريا بهذه الطريقة، فلا علاقة لي بكم.

 

مايا رزق: دكتور، متى كان هذا الطلب؟ في أيّ عام تحديدًا هذا الطلب من الجنرال الروسي منكم؟

 

هيثم مناع: من خمس سنوات، سنة 2019، في آخر لقاء معي. لأنه بعدها شاهدت الإخوان والرفاق القدامى يعملون، يلعبون، يلعبون مثلهم مثل غيرهم، يلعبون لوحدهم ولا يلعبون على حساب الدم السوري.

 

مايا رزق: وصفتها باللعبة قبل قليل، قلت: "فليسقط هذا النظام، ومن ثم نرى ما سيحدث".

ربما هذا يُوصف على أنه تلكؤ في ما يخصّ اقتناص الفُرَص، في ما يخصّ الدفاع عن الوطن في الصفوف الأمامية، وليس من مقعد المُتفرّج أو حتى المُنظّر؟

 

هيثم مناع: بأي معنى؟ ما هي الصفوف الأمامية؟ نحن في وسائل سلمية، اتّبعنا كل ما نستطيع اتّباعه من أجل ما كنا نسمّيه "تسوية"، نبحث عن حلّ تسوية.

ولذلك راجعت بنفسي الورقة التي تُسمّى "جنيف كوميونيكيه"، وبطلب من أصدقاء وقتها كان في موسكو من الخبراء العرب، وقالوا لي: "هذه مسودّة مُقدَّمة، ما رأيك بها من كوفي عنان؟"

وراجعت، وكنت شاهدًا دائمًا. كنا: أي أمر ممكن أن يضع حدًّا للقتل والدمار في البلد، المفروض أن نلجأ إليه.

لأنه نعرف أن هذا الدمار، بالنهاية، لن يكون لنا مارشال. خطّة مارشال مثل أوروبا لإعادة البناء.

ونرى اليوم، كلما يتحدّثون به، إلا عقد مؤتمر للدول المانحة لإعادة البناء.

 

مايا رزق: لماذا برأيك؟

 

هيثم مناع: أعطيني مسؤولًا واحدًا عربيًّا أو أوروبيًّا اليوم يدعو لمؤتمر للمانحين لإعادة البناء، مثلما جرى بالمثال الأوروبي.

نحن كان لدينا هذه القناعة لسببٍ أساسي. وأنا كتبت هذا السبب، وقلت للأسف، للأسف، وبكل أسف عندما كنت أتكلّم في بداية الحرب الأوكرانية، كنت أتحدّث مع السفير الفرنسي، فسألني عن أوكرانيا وما الذي يجب أن نفعله وكذا وكذا.

فقلت له: "إنك لم تلاحظ أنه لم تسألني عن الأحوال في سوريا؟"

فقال لي: "الأحوال في سوريا؟ ما الذي يجب أن نفعله؟ البلد راح!"

فقلت له: "طبعًا! ذهبت أنتم، اللحم هشّمتموه، والقلب قطّعتموه، والكبد رُمِيَ بالأرض، بقي العظام، وأنا أعيش في أوروبا منذ 40 سنة، وأعرف أن العظام تُلقى إلى الكلاب".

للأسف، للأسف، هذا الأمر الذي جرى في التعامُل مع أهلنا، مع دمنا، مع وطننا، مع سوريا التي عُمرها 8000 سنة.

 

مايا رزق: مشهد مؤسِف ترسمه لنا، دكتور.

بما أنك تحدّثت عن العامِل الخارجي، تحدّيات أمنية، مشاهدينا، ذات بُعد خارجي تطبع المرحلة السورية الحالية. ما أبرزها وما وراءها؟ نتعرّف سويًّا مع الدكتور هيثم منّاع في هذا العرض التالي:

ستكون مع الجنوب: أعلى مستوى من التصعيد الإسرائيلي يوثّقه المرصد السوري — 40 عملية توغّل داخل محافظتيّ القنيطرة ودرعا، وثماني عمليات اعتقال خلال الشهر الماضي — في إطار محاولات لفرضِ أمرٍ واقعٍ ميداني جديد.

العمليات شملت اقتحام القرى والبلدات، ونَصْب حواجز مؤقّتة، وعمليات تفتيش =ومُداهمة، وتجريف أراضٍ، وزرع ألغام.

وبذلك يبلغ عدد التوغّلات الإسرائيلية في درعا والقنيطرة ومناطق أخرى قرب الجولان المحتلّ 314 توغّلًا منذ سقوط نظام الأسد.

في الشمال السوري أيضًا، تحدّ أمني آخر: علاقة معقدة بين حكومة دمشق وقوات ّسوريا الديمقراطية. فالتصريحات الإيجابية تتوازى مع اتّهامات مُتبادَلة وتوتّرات ميدانية، على خلفية اتفاق هشّ بين الطرفين.

اتفاق سُلّمت قَصْدًا بناءً عليه قائمة تضمّ 70 قياديًّا مُرشّحًا للانضمام إلى الجيش السوري، على أن يشغل ضبّاط قصد نحو 30% من مواقع القيادة.

فيما يبقى جوهر الخلاف باختلاف المفاهيم والرؤى حول الاندماج والشراكة، بما فيها الجدول الزمني.

في هذه الأثناء، مشاهدينا، يزداد الحديث عن تزايُد نشاط داعش. تقرير حديث لـ"وول ستريت جورنال" يشير إلى أن التنظيم تزوّد أسلحة جديدة بعد مهاجمة مستودعات أسلحة إثر سقوط نظام الأسد، وشنّ عناصرها 117 هجومًا في شمال شرقي سوريا في نهاية آب/أغسطس.

أما "فورين أفِيرز" فتشير بدورها إلى أن عدد عناصر داعش تضاءل من مئة ألف عنصر إلى 2500 اليوم، إلا أنه يستغلّ الفوضى لإعادة بناء صفوفه، وقد استهدف — وفق المجلة نفسها — مواقع تتجاوز بكثير نطاقات عمليات داعش التقليدية.

ذلك أيضًا يقابله نشاط غير مسبوق لقوات التحالف الدولي، وفق المرصد السوري، مع ستة تدريبات عسكرية موسّعة نُفّذت في قواعد قصر كر، والشدادي، وخراب الجير خلال الشهر الماضي، وقد شملت هبوط سبع طائرات شحن عسكرية، كما يبدو هنا على الشاشة، واستقدام نحو 70 شاحنة محمّلة بمعدّات لوجستية.

فيما بدأت واشنطن بإنشاء نقطة عسكرية جديدة خارج منطقة الـ55 كيلومترًا في محيط التنف، بحسب المرصد.

 

مايا رزق: دائمًا ما أعود إليك، دكتور هيثم منّاع، أسألك: أيّ من هذه التحدّيات الأمنية هو الأخطر؟ يُشْعِرك بالقلق الكبير على سوريا؟

 

هيثم مناع: مجمل هذه التحدّيات تشكّل عوامِل قلق وعوامِل خوف على المنطقة.

لأن الآن نحن، كما ذكرت وأكرّر — للأسف — دمشق بالنسبة إلى الإسرائيلي ساقِطة عسكريًّا. متى ما أراد، يفعل ما يريد، يدخل إلى الشام، يستهدف مَن يريد، ويفعل ما يريد.

نحن ليست لدينا قُدرة، بعد تحطيم القُدرات الأساسية للجيش السوري والدفاع الجوّي السوري، ليست لدينا قُدرة في أن يكون هناك دفاع عن العاصمة. هذا مثل.

والمثل الثاني: البلد غير موحَّد اليوم. هناك أكثر من سوريا اليوم. هناك سوريا شرق الفرات، لها طريقة عيشها، ولديها مَن يهرب أيضًا إليها. ناس كُثُر يفرّون إلى شرق الفرات، وخاصة من الكوادر النسائية: طبيبات، مهندسات، أُهينَّ، محاميات أُهينَّ بعملهن، لُبسهن غير لائق، كذا كذا، ففضلن الذهاب للإخوة الأكراد، نتستّر على الأقل في كرامة.

 

مايا رزق: مُضحك مُبكي، دكتور، للأسف؟

 

هيثم مناع: صحيح. هناك وضع. الحقيقة الوضع السوري... لا، نحن توقّعنا السيناريو الأسوأ. أنا شخصيًّا لم أتوقّع بهذا السوء. السوء على الصعيد الاقتصادي، نحن لدينا شركات قابِضة، شركات من مجموعة مافيا — مافيا كانت في إدلب — وتريد تعميم كل مسائل الطاقة والكهرباء والماء على عموم البلاد.

شركتان: واحدة في أعزاز، وثانية في إدلب. والشركتان بتابع كلس الوالي يشرف على واحدة منهما، والثانية أيتاي يشرف عليها، وما سُمّي بالوزير هذا الذي كان رئيس وزراء حكومة الإنفال السابقة.

 

مايا رزق: عواصم العالم فتحت أبوابها لهذا الحُكم الانتقالي؟

 

هيثم مناع: هناك إحصاء بسيط لعدد المصانع التي أُغْلِقت بسبب هجوم وزحف البضائع التركية السيّئة من دون أية ضرائب. الناس جائعة، ليس لديها مُرتّب، تذهب وتشتري الكونسروة التركية ولا تشتري الكونسروة السورية لأنها بربُع السعر.

أُغلق مصنع الخيطان — 900 عامل ذهبوا إلى بيوتهم، لم يستطيعوا الاستمرار.

أدخلوا لنا أسوأ البضائع الموجودة لديهم، ولكن بسعرٍ رخيص. كل البضائع التي لا يستطيعون إدخالها إلى الاتحاد الأوروبي بسبب مشكلات =الجودة، تأتي إلينا وإلى أربيل وجيرانهم الدراوشة.

للأسف، وَضْع الناس لم يعد الوضع الاقتصادي يُحْتَمَل.

نحن لا نعرف: إذا تحرّكت الناس وثارت وتتظاهر وتحتجّ، هل نُسمّيها "ثورة الكهرباء" أو نُسمّيها "ثورة الخبز" أو نُسمّيها "ثورة المُسرَّحين"؟

لدينا اليوم قطاع كبير: 96% من المجتمع — وليس 1 و2 — أصبحوا صُنِّفوا في خانة الفقر.

غير أنه مئة بالمئة — باستثناء العناصر الحاكِمة، باستثناء مَن لديهم سلطة — يعيشون في غياب كلمة "حق"، "أمان". ما في شخص يعرف أين سيذهب.

 

مايا رزق: عن موضوع الأمان هذا، وعن التحدّيات الأمنية — وعُذرًا على المقاطعة — لكن أريد الاستفادة من وجودك معنا للحديث عن أكثر من نقطة وأكثر من مُعْضِلة. وللأسف المُعْضِلات كثيرة في سوريا.

بالحديث عن التحدّيات الأمنية، يقول معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، وفي أحدث إصداراته منذ ساعات قليلة: إنه على إسرائيل الاستعداد لمرحلة ما بعد ترامب، وتوجيه سوريا نحو نظام لا يسمح بتطوير أيّ تهديد تجاه إسرائيل، ويحافظ على علاقاتٍ دبلوماسيةٍ مع إسرائيل تصل إلى حدّ التطبيع. 

أريد أن أسألك عن رؤيتك في ما يخصّ ما يحصل الآن بين السلطة الانتقالية وتل أبيب بشكلٍ مباشر، غير مباشر، ضمن وساطات أو غير ذلك. الدولة السورية يتمّ أخذها من مكانٍ إلى مكانٍ آخر؟

 

هيثم مناع: اسألي "تشات جي بي تي"، قولي لـ"تشات جي بي تي": "أعطني فتوى بتحرير القدس من الحركة الجهادية السلفية". لا تجدي. هم أصدروا فتاوى بقتلنا، لكنهم لم يصدروا فتاوى بتحرير القدس.

الموضوع ليس صعبًا. هؤلاء هم أول مَن ناقش — وهذا الأردني الذي سلّم الحرس الجمهوري حاليًّا كان صلة اتصال — والعمليات ذكرتها صحيفة "ليبراسيون" من أول يوم: كيف نُظّم جرحى النصرة لكي يُعالَجوا في المشافي الإسرائيلية. هذا ليس جديدًا. ليس جديدًا.

الأمر الثاني: لم تتوقّف الاتصالات، من عمان بدأت وفي الشهر الأول من هذا العام، فهذا لم يعد سرًّا.

 

مايا رزق: خواتيم هذه الاتصالات، أريد أن أسمع رأي دكتور هيثم مناع بهذا الملف تحديدًا، في ما يخصّ إدارة هذه العلاقات مع مُحتلّ الآن مُتواجد على الأراضي السورية؟

 

هيثم مناع: أنا أعتقد بأن هؤلاء، للبقاء في السلطة، مُستعدّون لتقديم كل التنازُلات. فقط هم يقولون لهم: "على عيون الناس، لا نظهر مُهانين مُذلّين".

=أما أعربوا عن هذا الكلام، سمعناه، وكشفت تسجيلات للمباحثات بينهم وبين الإسرائيلي في باريس وعدّة أماكن.

لم يعد سرًّا اليوم أن هؤلاء: "اكفونا شركم، ونحن يا أخي ليس لدينا علاقة. ماذا تريدون؟ اتفاقاً نوقّع؟ لا مشكلة".

بحياتهم، كانت هناك مشكلة بينهم. خذي كل الأغاني =والشعارات. كل الكتب التي كتبوها والتي يعلّمونها بكتاتيبهم، لا يوجد شيء يتعلّق بحقّ الشعوب.

حق الشعب الفلسطيني ليس عملهم، ليس دورهم. حتى المقدسي الذي في الأردن مسجون.

هو أصلًا أكبر مشكلة كانت — وصفها لي — وأكبر مشكلة عبد الله عزام: الفلسطيني ترك فلسطين وذهب ليقاتل في أفغانستان ضد الشيوعي. هذه العقلية تبعهم، وليست العقلية تبعهم تحرير فلسطين. لذلك لا نخطئ بالعناوين. تربيتهم هكذا.

 

مايا رزق: تفضل بالبقاء معنا، دكتور هيثم مناع. فاصل قصير، ونواصل هذه الحلقة من "أذهب أعمق". ابقوا معنا، مشاهدينا الكرام.

 

مايا رزق: من جديد، أهلًا ومرحبًا بكم في هذه الحلقة من "أذهب أعمق" مع هيثم مناع.

سوريا نقطة محورية في رسم المعادلات الإقليمية. كيف تتداخل المصالح فيها؟

في الجيوسياسية، تقع سوريا عند ملتقى قلب منطقة غرب آسيا وحوض شرق البحر الأبيض المتوسط. هي حلقة وصل بين آسيا وأوروبا، تمثل بوابة جغرافية على لبنان وفلسطين والأردن والعراق وتركيا، ومنها إلى دول كبرى، ما يجعلها مرتبطة بالأمن الإقليمي.

في الجيواستراتيجيا، قوة إقليمية وعالمية تعد سوريا مركز توازن لمنطقة غرب آسيا. من أبرز اللاعبين: الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى إبقاء نفوذ لها في شرق الفرات، وترى في سوريا أيضًا طريقًا لفصل العمق الإيراني عن المتوسط.

بالتوازي، تمادي إسرائيل في الاعتداءات والتوغلات وتوسيع الاحتلال — تحدثنا عن هذا الأمر مع الدكتور هيثم — خدمة لأطماعها في الأراضي السورية، وفي إطار ما يعرف بمشروع "إسرائيل الكبرى".

أما الملفات ذات الاهتمام التركي فلا تقف عند المسألة الكردية.

وفيما بالنسبة إلى روسيا، فتضم سوريا قاعدتها البحرية الوحيدة على المتوسط.

وفي الجيو طاقة — وهنا بيت القصيد — ربما تعد سوريا ممرًا للطاقة أساسيًّا لخطوط الغاز. والممر الأوروبي يقع في محيطها. احتياطي ضخم من الغاز، بينما اكتشافات شرق المتوسط جعلت من الخط السوري جزءًا من معادلة المستقبل.

في الأثناء، تسيطر أمريكا على حقول الطاقة شرق الفرات، بينما تسعى إسرائيل لبيع الغاز عبر ما تسميه "قنوات إقليمية آمنة"، فيما أوروبا تبحث عن تنويع مصادرها في ظل المواجهة الروسية الأطلسية.

كل ذلك يجعل من سوريا العقدة الكبرى للقوى الكبرى، وفق سؤال: من سيتحكم بلعبة الطاقة في المستقبل؟

أجدد الترحيب بك، دكتور هيثم مناع، مفكر وحقوقي وعضو الكتلة الوطنية السورية، وسط صراع المصالح الذي حاولنا أن نختصره في هذا العرض.

أي نظام يمكن بناؤه وسط لعنة الجغرافيا ولعنة التاريخ؟ ماذا يمكن أن نبني في سوريا؟

 

هيثم مناع: سوريا فيها هذه اللعنة، ولكن أنت لا تضعي بجانبها الغنى السوري. الغنى السوري من آبل لأهم الشركات التكنولوجية الحديثة، لا يوجد شركة إلا وفيها على الأقل 2 أو 3 سوريين وأتراك، حتى لا نظلم الأتراك، جيراننا. نحن نريد علاقة جيدة مع الشعب التركي.

الكادر السوري أدهش العالم، ونحن أينما كنا نذهب ونعمل ونشتغل كسوريين في الخارج، كان يُضرب بنا المثل.

فالمشكلة هي قتل وتهميش هذه الكوادر والطاقات. بناء الطاقات السورية يقوم عند هذه السلطة على هدمها، لأنهم يعتبرونها خطرًا على أنفسهم. وهذه المصيبة الكبرى: إن طاقتنا الإنسانية أكبر بكثير من الطاقة النفطية والغاز الموجود في البلد.

 

مايا رزق: ولكن عندما تكون هذه الطاقة مشرذمة، بطبيعة الحال، ستكون عاجزة عن البناء؟

 

هيثم مناع: رغم الفساد والاستبداد الذي كان موجودًا في النظام الراحل، سوريا لم تكن بلدًا مدينًا. لم يكن علينا ديون حتى عام 2011. أول ديون بدأت بالمنحة المالية والمساعدة المالية — 18 مليار دولار من إيران — هنا بدأت الديون نهاية 2011 ومطلع العام 2012. أما قبل، سوريا ليس عليها أي ديون خارجية. وهذا قليل بين دول العالم الثالث.

الشعب السوري حقيقة لديه من الطاقات، ولديه من الكوادر ما يقدم نموذجًا في المنطقة، سواء على صعيد التنمية أو على صعيد بناء دولة قانون جديرة بالتسمية.

بصراحة، لسنا بدو. لسنا بدو. نحن قلنا لأمير دولة عربية منذ زمن، قلت له ربما دولتك أكبر من دولتي بفضل المال وما قدمه الله وبحكمتكم، لكن تذكر دائمًا: دولتك أصغر من سوريا كشعب. دولتك أصغر من سوريا. وربما هذا كان سببًا في نزول الغضب عليّ. ليست مشكلة، لكن على الأقل يجب أن نقول الأمور كما هي.

الشعب السوري حقيقة — يقولون — أعظم. المشكلة ليست هنا. شغيل، شغيل، ينتج، يفهم معنى العمل والإنتاج.

 

مايا رزق: أريد أن أسألك عن الشعب السوري بعد قليل.

ولكن بما أنه تبقى لنا دقائق قليلة في هذا اللقاء اليوم، دكتور، أنت عضو في الكتلة الوطنية.

بداية، أسألك: لماذا الكتلة الوطنية الآن؟ ولماذا اختيار هذا الاسم؟ في ذاكرة السوريين، هذا الاسم مرتبط بالنضال في مواجهة احتلال، أي الانتداب الفرنسي. هل تشعرون الآن بأن البلاد محتلة؟

 

هيثم مناع: الحقيقة، الاسم والحرص على إعادة الاسم فيه عنصران:

العنصر الأول هو التاريخ. في الـ25 كان مطروح مشروع دويلات، في تشابه كثير مع التقسيم الذي قُدم للحدود السورية الداخلية: دولة العلويين، دولة حلب، دولة دمشق، طرحوا يريدون إقامة سبعة دول.

والمسألة الثانية، كان مطروح مسألة التدوين، استعمال التلاوين بالهوية العضوية في القرون الوسطى — الدين، الطائفة — نعيد لها الاعتبار.

فقامت الثورة السورية بشعار واضح وكبير الدين لله، والوطن للجميع. كلنا سوريون. لا نقبل أي تمييز بين سوري وسوري، ورفضت مشروع الدويلات، ونجحت، وأجبرت الانتداب الفرنسي على انتخابات. وزُوِّرَت في الانتخابات — أي شخص يذهب للخارجية الفرنسية يقرأ ويجد أدلة التزوير — ومع ذلك نجحت الكتلة الوطنية السورية، نجحت ووضعت أول مسودة لدستور ديمقراطي ووطني ومواطني من أجل سوريا.

هذا نحن نعتز فيه. نتمنى أن تكون الكتلة الوطنية على قدر المهمات الملقاة على عاتقنا اليوم. نحن ومن يحمل هذه الفكرة وهذا المشروع وهذه الآراء، نتمنى ذلك، ونناضل ليلاً نهارًا من أجل إعادة هذه اللحظة التفاؤلية، ونبني معًا دولة مواطَنة لكل السوريين والسوريات.

 

مايا رزق: من بين الشعارات في الكتلة الوطنية السورية اليوم: "لا للسلاح، لا للعنف، لا للطائفية". شعار جميل وواعد.

 

هيثم مناع: هذا شعاري منذ سنة 2012.

 

مايا رزق: ولكن في سوريا اليوم، دكتور، هناك من يريد السلاح، ربما أدمن السلاح. هناك من اعتاد العنف، وهناك من غرق بالطائفية.

أريد أن أذهب معكم الآن إلى مكان آخر، إلى مكان يصب في صلب اختصاصكم. حضرتك متخصص في العلاج النفسي الجسدي، ونحن نتحدث اليوم عن علّة موجودة في المجتمع السوري. وفي العلم لا عيب بالتصويب على علّة ما موجودة.

كيف تشخص الآن المجتمع السوري؟ وهل ترى بأن هذه الحرب التي استمرت لأكثر من عقد، ومشاهد القتل — كنا نتابع قبل قليل الإعدامات بدم بارد — هي تركت ندوبًا لا يمكن أن تندمل في المجتمع السوري؟

 

هيثم مناع: أولًا، العنف لا يُعالج بالعنف. يمكن أن يسهل معارك معينة، مواجهات معينة، يمكن أن يسهل التخلص من العنف.

ثانيًا، ليس لأن السوريين اليوم لديهم من السلاح أكثر عددًا من عدد القادرين على حمله أنهم يعشقون هذا السلاح.

في مشكلة أساسية: دفعوا ثمنًا باهظًا. 120 سنة احتلال؟ الثورة الجزائرية عدد شهدائها 550,000–600,000. نحن دفعنا بـ14 سنة هذا الثمن.

لذلك الناس اليوم في حالة قرف من هذا.

ولدينا ضحايا، ضحايا أينما سرنا. الضحايا لدينا اليوم ما نسميه "المعاق النفسي" و"المعاق الجسدي". كلاهما موجود.

ولذلك نعمل في مراكز إعادة التأهيل للناس، وأنا أحاول أن أبني أكثر من مركز، وأشرف مباشرة على التعليم فيها، لأنه كان لدي تجربة في غزة وتجربة في البحرين والمغرب وعدة دول.

هذا أكيد موجود. ما تتحدثي عنه موجود. ولكنه ليس متأصلًا في دمنا.

 

مايا رزق: لن يمس الهوية السورية؟

 

هيثم مناع: لا. هناك فارق يقولون ما بين التصرفات الرد فعلية والتصرفات الهادئة والحكيمة في أي مجتمع.

أول ما ترين عندما يحصل اعتداء طائفي — مثلما جرى محاولة إبادة شخص لأنه علوي لأنه درزي — ردة فعل الأول يقول ولو أنه لا يعرف ما معنى درزي أو بحياته لم يذهب مكان لعله يتعلم أشياء عن مذهبه، ردة فعله تقول لا، نحن الآن صرنا علويين. الآن بتنا دروز.

هذا رد الفعل الأولي، هذا الدفاع الذاتي رد فعل.

لكن بالحكمة تجدين أن الكم الأكبر من العلويين ومن الدروز هم في التيار الوطني الديمقراطي وليس في تيارات طائفية. لماذا؟

لأنهم يعرفون أن الطريق مسدود. أي مخرج طائفي كما هو مسدود أمام هذه السلطات التي ستُرحلها، لأنها هكذا.

 

مايا رزق: دكتور هيثم، هناك من يتساءل ويقول: لماذا دكتور هيثم مناع لا زال خارج الأراضي السورية، بينما ربما الداخل السوري هو في أمس الحاجة لأشخاص أمثالكم في هذا التوقيت بالذات؟

 

هيثم مناع: حتى صديقي الدكتور قاسم محامدي، عندما كان يود العودة، قلت له: "لا تذهب، سيحاولون قتلك". وحاولوا قتله. لحسن الحظ، كان هناك شباب أخرجوه.

 

مايا رزق: تلقيتم تهديدًا مباشرًا؟

 

هيثم مناع: كثيرًا. وحتى الآن يوجد اعتداء، ليس فقط على الأحياء، على القبر. هم لا يتحملون وجود قريب الشهيد مع الغزاة.

وصلنا إلى هنا، لكن ساروا. والتهديد... أنا لا أستطيع أن أرى دمشق وفيها هؤلاء الملثمين وقتلى حقيقة.

لا أتحمل أن بلد مثلي يصل إلى هذا المستوى.

 

مايا رزق: قبل أن أنهي معك بسؤال ختامي، أريد أن أسألك: تقول إن هذا النظام الانتقالي أو هذه السلطة الانتقالية في سوريا هي فاقدة الصلاحية، أي منتهية.

عادة، عندما يفقد أي منتج تاريخ صلاحية، يتعفن. وبالتالي، أسألك: أي مستقبل لهذه السلطة اليوم في سوريا؟

 

هيثم مناع: أنا لا أتصور أن لهذه السلطة أي مستقبل بشكلها الحالي، بوضعها الحالي، بإجرائها الحالية، بنصبها الحالي، بسرقاتها، بمافياتها العائلية، بكل الطريقة التي تحكم فيها البلاد، والقمع المعمم، وغياب الأمن الكامل لها.

أنا أعتبر أنهم أعطوا الكثير، ومن كل الدول. أُعطيت فرصة من كل الدول.

حتى الآن، كل الدول والكل يستقبلونه كرئيس دولة.

 

مايا رزق: صحيح: صحيح. وترامب سيستقبل الرئيس الانتقالي، ورفعوا عنه العقوبات أيضًا؟

 

هيثم مناع: يستقبله بوتين ويستقبله ترامب ويستقبلهم الكبير والصغير. كلهم يرحبون بهم.

لكن هذا، والضخ الإعلامي، الضخ الإعلامي ما في أجمل منه، هذا الضخ شغلوا ليل نهار، تسميم بالعقول السورية.

كل هذا لن يؤمن لهذه السلطة الاستمرار، وسترحل.

 

مايا رزق: بأي طريقة؟

 

هيثم مناع: سيناريوهات متعددة. أنا قلت: نحن على مفارق طرق، وليس أمامنا مخرج واحد.

لا تنسَ أن الجيش السوري كان فيه 400 شخص من العاملين في مصنع بطاريات الدفاع إلى العاملين على صواريخ مضادة للطائرات. هؤلاء ليسوا جميعًا فلولًا ولا تبع نظام أو بتابع.

ثاني أمر: الضباط المنشقون الذين فعلوا، جاعوا وعانوا وكذا. هؤلاء أحق من الأردني والكويتي.

 

مايا رزق: لكن أن يؤدي هذا إلى حرب أهلية؟

 

هيثم مناع: لا، لا، لا. هذه ليست حربًا أهلية. يمكن حرب مواجهة ضد هؤلاء المتسلطين الذين سيؤدون بالبلد إلى كارثة. لكن أهلية بمعنى الناس تتعاطف معهم في معركة كهذه؟ تأكدي، أكثر الأحياء والناس المحافظة السنية في سوريا اليوم لا تشعر بأي رابط بينها وبين هذه السلطة.

 

مايا رزق: دكتور هيثم، ختامًا، هل تخشى أن يمر هذا العمر، وبعد طول السنوات — إن شاء الله — دون أن تعود إلى درعا؟

 

هيثم مناع: ليست هذه مشكلة. المشكلة أن تعود البلد إلى أهلها، أن تعود سوريا إلى شعبها. هذا أملي. أريد أن أراه. أتمنى أن أراه، وسأفعل كل شيء. حتى إذا أنا لم أره، أبناؤنا ومن حولنا من الشباب يعيشوا.

 

مايا رزق: أن تعود سوريا إلى طبيعتها بات حلمًا مستحيلاً؟

 

هيثم مناع: لا. تعود سوريا أجمل. لن تعود لا إلى الاستبداد والفساد الأسدي، ولا الطغيان الجهادي. لا هذا ولا هذا. نحن نستحق كشعب سوري غير ذلك.

 

مايا رزق: شكرًا جزيلًا لك، دكتور هيثم مناع، المفكر والحقوقي وعضو الكتلة الوطنية السورية. "أذهب أعمق" وصل إلى خ

خواتيمه. إلى اللقاء.