أميركا اللاتينية في مواجهة الاستعمار
نص الحلقة
بيار أبي صعب: مساء الخير، كما في غزة كذلك في كراكاس، وكما في جنوب لبنان كذلك في بوغوتا، أميركا اللاتينية تقود اليوم مواجهةً أممية تاريخية ضد الاستعمار، ضد أنكل سام الذي يريد لها أن تبقى فناءه الخلفي، يهدد بالاستيلاء على قناة بنما ويرغمها على الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق مع الصين، يقتل الصيادين في البحر الكاريبي بزعم أنهم مهرّبو مخدرات، يواصل الحصار على كوبا ضد الإرادة الدولية، يرسل حاملة طائرات وينظم مناوراتٍ قبالة سواحل فنزويلا التي يجوّع شعبها منذ سنوات، ويحاول إسقاط رئيسها نيكولاس مادورو باسم الديمقراطية، يُنزل العقوبات بالرئيس الكولومبي غوستافو بيترو ومحيطه ويتّهم هذا الرجل الذي تحدّى الإرادة الأميركية ودعا إلى تحرير فلسطين بأنه مهرّب مخدرات. مَن عيّن الولايات المتحدة حارساً على الديمقراطية وهي وراء عشرات الانقلابات في تلك المنطقة من العالم تحديداً، فهي تكافح المخدرات بعدما استعملتها طويلاً لمحاربة قوى التحرر في الأميركيتين، أطماع الولايات المتحدة بثروات تلك الدول ليست جديدة، الجديد أن ترامب هذه المرة يتقدّم بغطرسته المعهودة بلا أقنعة وبلا قفازات لكن ورثة سيمون بوليفار لم يقولوا بعد كلمتهم الأخيرة.
لمناقشة هذا الموضوع ضيوفنا الليلة في بيروت الدكتور جمال وكيم أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، والدكتور حسان الزين الكاتب والخبير في شؤون أميركا اللاتينية، ومعنا من العاصمة الفنزولية الأستاذ خالد هندي منسق رابطة أيمركا اللاتينية للعودة إلى فلسطين والمتحدث السياسي باسم المركز العربي الفلسطيني في كاراكاس، أهلاً بكم أعزائي المشاهدين في هذه الحلقة من "على محمل الجد" وأهلاً بضيوفنا الكرام. دكتور حسان مساء الخير، زعزعة الأمن والاستقرار في العالم العربي يشبه إلى حدٍّ بعيد ما تتعرّض إليه أميركا اللاتينية اليوم تحديداً البرازيل وفنزويلا وكولومبيا، إلى أي حد يمكننا أن نقارن بين نضالات الشعوب العربية ضد الوصاية والتبعية وبين نضالات شعوب أميركا اللاتينية؟
حسان الزين: مساء الخير، وشكراً لك أستاذ بيار وتحية إلى الضيوف والمشاهدين الكرام. أولاً لقد طرحتَ الموضوع أو الملف الأخطر في الولايات المتحدة الأميركية وفي التفكير الأميركي وهو ملف زعزعة الاستقرار إن كان على دول الإقليم وإن كان على بُعد الجغرافيا. الولايات المتحدة الأميركية تحتمد على عدة استراتيجيات منها استراتيجية زعزعة الأنظمة الموجودة إن كانت قريبة منها أو قريبة من أعدائها، سأعطي مثالاً بسيطاً جداً في هذا المضمار، أولاً أميركا اللاتينية عانت كثيراً من السياسات الأميركية، من السيطرة الأميركية، من نهب الشعوب على مستوى استراتيجية الفساد التي تتبعها في أميركا اللاتينية ،حتى قضية المخدرات هي استراتيجية تُتّهم فيها العصابات التي تموّلها الولايات المتحدة الأميركية و والسي آي إي أحياناً، وهناك محاكمات كثيرة في الولايات المتحدة الأميركية حول ذلك، ولكن التثبيت الأول للناخب الأميركي على مستوى النظام الأميريكي في الولايات المتحدة الأميركية هو ما يحتاجه الأميركيون والإدارة الأميركية على مستوى الجغرافيا، ثم ننتقل إلى الإقليم، هم بحاجة إلى السيطرة على الإقليم حينما يتحدّثون عن كندا، عن غرينلاند وعن أميركا الوسطى، هذا خلاف الوضع الذي يتحدّثون عنه بالنسبة للثروات وأطماعهم في ثروات أميركا اللاتينية. تفضّلتَ وقلتَ بأنها الحديقة الخلفية، مبدأ جيمس مونرو كان واضحاً في ذلك في العام 1823، الفكرة الأساسية في زعزعة الأنظمة التي هي جزء من حركة الولايات المتحدة، على سبيل المثال في الفترة الأخيرة في هذه السنة تدخل الأميركيون وترامب بشكلٍ مباشر في محاكمة الرئيس البرازيلي بولسونارو، وتمّ فرض عقوبات على رئيس المحكمة ألكسندر دي مورايس، هو تبنّى هذا التدخل و قال أنا أريد أن تكون هناك محاكمة جزئية على غرار ما طلبه من رئيس الكيان العبري بعدم محاكمة نتنياهو، وكأن العالم كله لديه، هو الآن يحكم العالم، هو فرعون العالم أو إله العالم، هو يدعي بأنه يتّصل بالله.
بيار أبي صعب: العالم الذي تركه.
حسان الزين: بريطانيا سلّمت الإمبراطورية للولايات المتحدة الأميركية، هذه نظرية مهمة جداً في السياسية يتّبعها الرئيس ترامب هي نظرية جنون وقد اعتمدها الأميركيون مع الفيتناميين.
بيار أبي صعب: فكرة نضال شعوب أميركا اللاتينية.
حسان الزين: في أميركا اللاتينية على المستوى الثقافي، على مستوى الشعراء، على مستوى السياسيين، النقطة الأساسية الآن بالنسبة إلى أميركا اللاتينية أنها شكّلت حزاماً مؤلفاً من كولومبيا وفنزويلا وقد يمتدّ إلى البرزايل على أساس أن لولا دا سيلفا قد يترشّح في الانتخابات القادمة في 26 إن كان في كولومبيا أو في البرزايل لأن الأرجنتين خرجت عن الإطار ولكن بشكلٍ عام لنقُل الحزام الصاعد. غوستافو قال كلمة مهمة "إذا ماتت فلسطين ماتت الإنسانية"، إذاً هي معركة بين التوحّش الأميركي والإنسانية التي هي مبدأ مهم جداً، هذا ما نحن عليه وما هم عليه.
بيار أبي صعب: دكتور جمال أكبر حاملة طائرات أميركية موجودة اليوم في البحر الكاريبي، أعلن ترامب الحرب على المخدرات واتّهم الرئيسين الكولومبي والفنزويلي بأنهما يهرّبان المخدرات وتحدّث عن أرباح قد تصل إلى مئة مليار بحسب ترامب، إلى أي مدى يمكن القول إن ما يحصل اليوم في أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي حرباً على المخدرات فقط؟
جمال واكيم: أولاً إذا تناولنا المسألة ببعدها الضيّق إذا كان هناك تصدير للمخدرات من أميركا اللاتينية فهذا لأن هناك مستهلك في أميركا الشمالية. إذاعدنا إلى مسألة تجارة المخدرات، مثلاً بابلو إسكوبار بدأ بتهريب الدخان وابن عمه الذي قام بتدريبه على التدريب قال له إذا بعنا الكوكا سنربح أكثر. مَن الذي كان ينظم تجارة المخدرات؟ تحديداً الـ سي آي إيه، في تلك الفترة كانت الحركات اليسارية في أميركا اللاتينية المعادية للإمبريالية كانت هي الصاعدة، نلاحظ أن الولايات المتحدة دعمت مفهوم الامبراطورية، قاعدة الرأسمالية المالية العالمية، هي التي دعمت الفاشية في أوروبا في مرحلة ما بين الحربين، ودعمت نمط ما يسمّى بالحركات التكفيرية في العالم العربي، وهي تتبع الطريقة نفسها في أميركا اللاتينية ولكن بتطبيق مختلف عبر جماعة المخدرات لمكافحة التيارات اليسارية.
بيار أبي صعب: إذاً هي ذريعة إلى حدٍّ بعيد.
جمال واكيم: مسألة المخدرات في الأساس كانت منظمة من قبل الـ سي آي إيه ودعمت جماعة بابلو إسكوبار الذي كان يُعتبر بطل الفقراء، كان أنموذجاً لتاجر المخدرات الذي يساعد الفقراء أو الثائر.
بيار أبي صعب: أستاذ خالد هندي في كراكاس، يدّعي ترامب أيضاً الدفاع عن الديمقراطية في فنزويلا وهو لم يخفِ تنفيذ عمليات الـ سي آي إيه داخل البلد لزعزعة الاستقرار الداخلي والإطاحة بالنظام البوليفاري، هذا إضافةً إلى التهديد العسكري والمناورات العسكرية وكل أشكال الحصار، إلى أي مدى يمكن أن نصدّق الولايات المتحدة في مسعاها الحميد هذا علماً أن رسولة الديمقراطية تقف وراء محاولة خوان غوايدو الانقلابية الفاشلة على مادورو قبل ست سنوات في عهد ترامب الأول باعتراف جون بولتون مستشار الأمن القومي آنذاك؟
خالد هندي: في البداية تحية لك ولضيوفك الكرام، أريد أن أؤكد على مداخلات الإخوة الزملاء أن السي آي إيه هي خلف كل تجارة المخدرات، إذا لاحظنا سيطرة الولايات المتحدة على أفغانستان عسكرياً، كانت أفغانستان هي المصدّر الأول للمخدرات في العالم وكذلك كولومبيا، والبلدين كانا تحت سيطرة أميركية، نحن نعرف أن هناك سبع قواعد أميركية مشتركة مع القوات الكولومبية لمكافحة المخدرات في أرض كولومبيا، ولكن على ما أعتقد أن سياسة الدولة العميقة الأميركية تحتاج إلى المقدّرات في السوق الأميركية، للشعب الأميركي. نلاحظ أن هناك مئات المواد المصنّعة من الكوكا تُباع رسمياً وبشكلٍ قانوني في الولايات المتحدة، وأنا أعرف ذلك من زملاء يملكون متاجر في الولايات المتحدة، يقولون إن كل شيء يباع قانونياً. أما بالنسبة للديمقراطية في فنزويلا فنحن نعرف أنه منذ مجيء تشافيز إلى السلطة وانهيار الجمهورية الرابعة ونشوء الجمهورية البوليفارية الفنزولية لم يرق لأميركا ذلك لأن فنزويلا كانت دائماً عبارة عن الفناء الخلفي لأميركا، عبارة عن دجاجة تبيض الذهب بالنسبة لأميركا، تأخذ البترول بأسعار مخفضة بشكل كبير وتسيطر على الوضع الاقتصادي في فنزويلا، ولكن مجيء تشافيز قلب توقعات الإدارة الأميركية، انتهج نهجاً غيّر فيه حتى قواعد اللعبة في أميركا اللاتينية، ثم جاء لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في البرازيل، وكوريّا في الإكوادور، إيفو موراليس في بوليفيا، كيرشنر في الأرجنتينـ تحوّلت قارة أميركا اللاتينية إلى قارة معادية للسياسة الأميركية الإمبريالية. من هنا كان هناك توجّه لمحاولة إسقاط الحكومة الفنزويلية منذ عهد تشافيز، نحن نعرف أنه حصل انقلاب عسكري في فنزويلا ولكن بعد الانقلاب العسكري الذي لم يدم 48 ساعة استطاع الشعب أن يخرج إلى الشوارع وأن يعيد الرئيس تشافيز إلى الحكم، وهذا لم يرق للإدارة الأميركية. تشافيز كان يتمتّع بقاعدةٍ شعبية عريضة، والآن مادورو أيضاً على خطى تشافيز. يقولون إنه لا توجد ديمقراطية في فنزويلا، في فنزويلا هناك حَكم رئيسي هو دائرة الانتخابات وهي مؤسسة مستقلة بحد ذاتها لا تسيطر عليها الدولة، وكل الأطراف من أحزاب سياسية يحتكمون إليها وهم بذلك يعترفون بالنتيجة التي تُصدرها هذه الهيئة، وقد أصدرت هذه الهيئة قرارها بنجاح مادورو ولكن أميركا لم يرق لها ذلك وأرادت إحداث بلبلة في فنزويلا، كانت تراهن في السابق على الشارع الفنزويلي ولكن هذا الشارع منذ سنوات مستتب، لا توجد فوضى، ليس هناك أي نزعة انقلابية فوضوية، هناك أحزاب معارضة ولكنها تحتكم إلى الدستور وتعمل بصورة سلمية جداً.
بيار أبي صعب: لننتقل إلى بوغوتا لنعاين الوضع في كولومبيا، ما يتعرّض له الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو هو تصعيدٌ في العدوان الإمبريالي الذي تشنّه الولايات المتحدة على أميركا اللاتينية. هذا الكلام للمحلل السياسي الكولومبي فيديريكو غارسيا، لنستمع إليه.
فيديريكو غارسيا: إن التهديدات الجديدة والفظاظة والإهانات من الرئيس دونالد ترامب ضد الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، إلى جانب إدراج اسمه في قائمة المواطنين المعيّنين والأشخاص المحظورين وسحب تأشيرته الأميركية، وإلغاء الاعتماد عل كولومبيا في مكافحة تجارة المخدرات هي بلا شك تصعيد في حملة العدوان الإمبريالي التي تشنّها الولايات المتحدة على أميركا اللاتينية. والسبب خلف تصعيد العدوان هذا هو أن الحكومة الكولومبية لم تردّ كما كانت تفعل سابقاً بالطاعة والخضوع والتبعية لإرادة السياسة الخارجية الأميركية، بل على العكس استجابت بكرامة مناشدةً القانون الدولي ومطالبةً باحترام سيادة كلومبيا ودول أميركا اللاتينية الأخرى. بالفعل قد يتمّ تشكيل جبهة موحّد من عدة دول لمعارضة هذه المبادرة الإمبريالية، في الواقع هناك جبهة تتشكّل بالفعل. الرئيس الكولومبي والفنزويلي لم يكونا الوحيديْن في الإعراب عن تضامنهما مع بعضهما البعض واستعدادهما للدفاع عن بعضهما البعض في حالة تعرّضهما للهجوم، بل رؤساء دول أميركا اللاتينية المهمة جداً مثل السيد لويس إناسيو لولا دا سيفا من البرزايل والسيدة كلوديا شينباوم من المكسيك أعربا أيضاً عن رفضهما لدعم الانتشار العسكري في منطقة البحر الكاريبي، وقتل مواطني أميركا اللاتينية من قبل قوة أجنبية، وحتى عن مجرّد التهديد بتصعيد العنف.
بيار أبي صعب: دكتور حسان بصفتك خبيراً مراقباً ع قرب لشؤون أميركا اللاتينية ما معنى وجود هذه المناورات المشتركة مع ترينيداد وتوباغو؟ ما معنى وجود أكبر حاملة طائرات جيرال فورد الأميركية مع قطع حربية أخرى في عرض البحر الكاريبي؟ في المقابل أمر الرئيس مادورو في مناورات "الاستقلال 200" لحفظ سلامة الشاطئ الفنزويلي، هل نحن على أبواب حرب؟ هل سيكون هناك عدوان أميركي؟ أطرح السؤال وكأنه عن لبنان أو غزة أو اليمن.
حسان الزين: التمدُّد العسكري الأميركي في أميركا اللاتينية واضح، هناك عدة نقاط عسكرية مهمة جداً إذا قارنتُ فيها بالخط البياني صعوداً منذ فترة فإننا نلاحظ أن القواعد العسكرية الأميركية تتمدّد وآخرها في الباراغواي والأرجنتين.
بيار أبي صعب: عشرة آلاف جندي تقريباً.
حسان الزين: هناك قواعد عسكرية في كولومبيا، حتى النظام في كولومبيا، الكونغرس الكولومبي هو مع اليمين وليس مع الرئيس، وكولومبيا في تاريخ أميركا اللاتينية كانت تُعتبر كإسرائيل. وبالتالي ما هي الملامح التي أدّت بالرئيس غوستافو لأن يوضع في هذه الصورة، ماذا فعل لكي يكون قد خرج عن المألوف بالنسبة إلى النظام العالمي وماذا فعلت فنزويلا؟
المناورات الحالية هي مقدمة للحرب، ن الرئيس دا سيلفا كما ذكرتَ في مقدمتك قال هل ترامب هو شرطي العالم؟ لقد قال له أنتَ لستَ شرطي العالم، وقد كان لدا سليفا رأي آخر مع العلم مع أن البرازيل لم تعترف بالانتخابات، وهي الآن تقوم بمبادرة مهمة بعد اللقاء الذي حصل مع ترامب في كوالالمبور، المناورات العسكرية هي جزء مما يقوم به ترامب. المخابرات الأميركية حاولت في العام 2024 خطف مادورو.
بيار أبي صعب: هل نحن ذاهبون إلى حرب؟
حسان الزين: هناك أكثر من سيناريو، قد يتكرّر السيناريو العراقي، عدد الجنود لا يتوافق مع مساحة فنزويلا التي تبلغ ضعفي العراق، وقد يتكرّر السيناريو السوري عبر شراء بعض الضباط ولكن العسكر في فنزويلا لا زال متماسكاً، وقد تحصل عمليات محدودة بالنسبة للطائرات لاستهداف مادورو. السيناريو الأكثر توقعاً هو السيناريو الدبلوماسي لأن الرئيس مادورو قال نحن لا نريد الحرب وقدّم الكثير من الأوراق في التعامل لأن النفط الفنزويلي بحاجة إلى مضخات التكرير الموجودة في سواحل المكسيك، وبالتالي هو بحاجة إلى فنزويلا. ما يحصل هو عملية تأديب لأميركا اللاتينية، بيترو غوستافو قال إنه يريد معاقبة الشركات وإلغاء العقود مع إسرائيل وتكوين جيش عالمي. السيناريو الأقرب هو الضغط الدبلوماسي ولكن هناك علامات استفهام كثيرة لأن الأميركيين يريدون النفط كاملاً.
بيار أبي صعب: دكتور جمال الرئيس بيترو قال نحن نقوم بجهد كبير وخفّضنا الإنتاج والأمور لا تسير عبر القمع والقهر بل عبر إيجاد بدائل زراعية للفلاحين، ماذا لو كان الرئيس ترامب يهرب من عجز الإدارات الأميركية المتلاحقة عن حل مشكلة المخدرات التي تتطلّب موازنات ضخمة جداً لمعالجتها من الناحية الصحية والاجتماعية وهذا ما لا يريدون الاستثمار فيه، بالتالي أين مسؤولية أميركا فيما تحاول أن تحاسب أميركا اللاتينية به؟
جمال واكيم: برأيي المسألة ليست مسألة مخدرات، وطالما أن المشكلة ليست هنا فالحل ليس هنا، لماذا يتمّ التركيز حالياً على فنزويلا وكولومبيا؟ حين نتحدّث عن عقيدة مونرو التي أُطلقت في 1829 أي في العام نفسه الذي ضُرب فيه مشروع سيمون بوليفار "كولومبيا الكبرى" الذي كان عبارة عن اتحاد بين فنزويلا كولومبيا والإكوادور والبيرو، وقد كان منطلق سيمون بوليفار هو النقيض للمشروع الإمبريالي الأميركي في الوقت الذي تحدّثت فيه أميركا عن حرية الطبقة البرجوازية والرأسمالية إلى آخره، كان انحياز سيمون بوليفار للفقراء الذين قاموا بتربيته لأن والديه توفّيا حينما كان صغيراً. فبالتالي منطلق هذين المشروعين متناقضين اقتصادياً واجتماعياً. حينما أُطلقت عقيدة مونرو انقلبت عليه الأوليغارشية فاختار المنفى الطوعي وقد مات وهو في طريقه إليه. نلاحظ الآن أن تمرّد فنزويلا حفّز على تمرد أميركا اللاتينية على الهيمنة الأميركية، من تشافيز إلى صمود مادورو. فنزويلا وكولومبيا تطلّان على البحر الكاريبي المرتبط بما تعتبره الولايات المتحدة أمنها القومي، إذا عدنا إلى نظرة ألفريد ثاير ماهان لبنما والكاريبي على أنه صلة الوصل بين الضفتين الشرقية والغربية وهذا الذي يوحّد أميركا في موضوع طرق المواصلات البحرية والكوريدور والهيمنة على قناة بنما، وبسبب أن الرئيس البنمي عمر توريخوس أعاد بنما إلى السيادة البنمية قُتل بإسقاط طائرته أيام رونالد ريغن وبعد ذلك قاموا بدعم نورييغا الذي كان تاجر مخدرات، وبهذه الذريعة قاموا بحملة ضده ليعيدوا احتلال قناة بنما في 1989.
بيار أبي صعب: إذاً حرب هيمنة وليست حرب مخدرات. أستاذ خالد هندي الرئيس الكولومبي بيترو اتّهم ترامب بالمسؤولية المباشرة عن الإبادة في غزة، ودعا إلى إنشاء جيشٍ لتحرير فلسطين كما قال الدكتور زين قبل قليل من على منبر الأمم المتحدة، وشارك من نيويورك في تظاهرة دعم لفلسطين فسحب منه ترامب التأشيرة وأنزل عليه هذه العقوبات وعلى عائلته بسبب مقاومته الإمبراطورية والدفاع عن حقوق بلده، ما هذا الطاغية الذي يحكم العالم؟
خالد هندي: كما قال أحد الزملاء إن كولومبيا كانت عبارة عن إسرائيل ثانية في أميركا اللاتينية. كولومبيا هي الدولة الوحيدة التي يستطيع مواطنوها أن يذهبوا إلى إسرائيل بدون فيزا، فهذا تطور، وجود حكم يساري ثوري في كولومبيا يتعارض مع المصالح الأميركية وهو مشروع ضد الصهيونية. تصريحات بيترو ومادورو وكأنهما توأم، مادورو منذ اليوم الأول كان يهاجم خطط الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة وفي جنوب لبنان، في كل ساعة كان يتكلم عن ذلك، وقام بيترو بالفعل بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، موقفه ممتاز مئة في المئة، نتمنّى على الزعماء العرب أن يحذوا حذو مادورو وبيترو.
بيار أبي صعب: هذه الطامّة الكبرى، فاصل قصير نستمع بعده مباشرةً إلى شهادة الأستاذ جهاد يوسف نائب رئيس الاتحاد الفلسطيني في أميركا اللاتينية ثم نستأنف هذا النقاش.
جهاد يوسف: الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والاستقلال في كل دول العالم أو قارات العالم لها نضال مشترك ضد الإمبريالية الأميركية أو الاستعمار، بمعنى أن هناك نضال مشترك بين فلسطين وأميركا اللاتينية، أقول إن دول أميركا اللاتينية لازالت في بعض الدول مرتبطة اقتصادياً بالولايات المتحدة، وهذه الأخيرة تتدخل في شؤونها الداخلية ودول أخرى استطاعت عبر التحولات الاجتماعية والسياسية تغيير هذه الأنظمة وصعد إلى الحكم مجموعة من القوى والمناضلين والرؤساء الذين يطالبون بالحرية والاستقلال للشعوب اللاتينية. ونحن فلسطينياً نطالب باستقلال الشعب الفلسطيني، بدحر الاحتلال والتحرير وقيام الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين إلى ديارهم. كيف علينا أن نتصدّى للإمبريالية على الصعيد الفلسطيني أولاً، علينا تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية بمشاركة كل القوى وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتبنّى بيان برنامج المقاومة، أيضاً النضال المشترك بين المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية والدول التي تدعم مقاومة فلسطين ومقاومة لبنان مثل اليمن والعراق إلى آخره. أما على صعيد أميركا اللاتينية فعليهم الاستمرار بالحفاظ على ما شكلوه من أطرٍ جامعة مثل الألبا وغيرها التي تضمّ بعض دول أميركا اللاتينية وبينهم تجارة وعلاقات مفتوحة، وبشكلٍ مشترك رفض تدخل الولايات المتحدة سواء اقتصادياً أو سياسياً في شؤون هذا البلد.
بيار أبي صعب: أهلاً بكم مجدداً أعزائي المشاهدين في حلقة الليلة من "على محمل الجد"، اسمحوا لي أن أعيد الترحيب بضيوفنا في بيروت الدكتور جمال وكيم، والدكتور حسان الزين، وفي كاراكاس الأستاذ خالد هندي. نصل الآن إلى الجزء الثاني من حلقتنا مع فقرة "على محمل النقد"، المحلل السياسي الفنزويلي بابلو كينتيرو يرى أن ما يسعى إليه دونالد ترامب في المقام الأول هو الاستيلاء على نفط فنزويلا الذي يشكّل أكبر الاحتياطات في العالم، نتابع معاً.
بابلو كينتيرو: الهدف الرئيس من هجمات الولايات المتحدة من قبل دونالد ترامب على دول منطقة البحر الكاريبي وهذه الاستفزازات العسكرية هو الاسيتلاء على موارد الطاقة في فنزويلا ونهبها، بالإضافة إلى أكبر احتياطياتها النفطية. هذا ليس شيئاً جديداً فقد سبق للولايات المتحدة أن طبّقت هذا النوع من التكتيكات وبرامج تغيير الحكومات والأنظمة، والتدخلات العسكرية في دول الشرق الأوسط. ما يسعى إليه دونالد ترامب في المقام الأول في فنزويلا هو الاستيلاء على النفط الفنزويلي الذي يشكّل أكبر الاحتياطات المعتمدة في العالم، بالإضافة إلى ذلك يسعى أيضاً للاستيلاء على موارد الطاقة مثل الغاز والكولتان، وبالطبع على كامل أدوات وتكنولوجيا إنتاج النفط الفنزويلي. حتي في تصريحاته العام الماضي اعترف الرئيس دونالد ترامب بضرورة الاحتفاظ بالنفط الفنزويلي، وبالطبع هذا النوع من العدوان والتهديدات يمثّل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وحقوق الإنسان نظراً لحدوث عمليات قتل خارج نطاق القضاء في البحر الكاريبي عبر قصف القوارب. من ناحية أخرى يمثّل هذا خطراً على دول المنطقة كالبرازيل وكولومبيا وجميل دول النصف الغربي للكرة الأرضية وتحديداً في قارة أميركا، ولذلك فإن كل أفعال دونالد ترامب وتهديداته تمثّل خطراً جسيماً على المنطقة بأسرها. تستعدّ الحكومة الفنزويلية للدفاع عن مصالحها الوطنية وعن شعبها وسيادتها أيضاً رغم العقوبات القاسية التي فاقمت معاناة الفنزويليين في السنوات الأخيرة والتي تجاوزت 900 عقوبة اقتصادية، واليوم نرى أيضاً حرباً معرفية وشيكة تهدّد استقرار القارة بأكملها.
بيار أبي صعب: دكتور حسان تحدّثنا عن عقيدة مونرو التي تنظر إلى أميركا اللاتينية كحديقة خلفية للولايات المتحدة، قبل مئتي عام وُجدت عقيدة مونرو في وقتٍ كانت فيه أميركا للأميركيين، اليوم العالم كله ملك أميركا، إلى أي مدى يمكن اليوم في أميركا اللاتينية وفي عالمنا العربي التمرّد على هذه الإمبراطورية الأميركية؟
حسان الزين: التمرّد بدأ حين قدّم تشافيز كتاب "الشرايين المفتوحة لأميركا اللاتينية" إلى أوباما
كهدية، وكان تعبيراً واضحاً عن رفضه ثقافياً ووعياً وموقفاً. تشافيز مرّ واجه الكثير من القضايا والمواقف المهمة، كان مترّداً خاصةً في قضايا تأميم النفط. ما حصل في لبنان أن سماحة السيد حسن نصر الله قام بعمل مهم جدأً يُقارَن بهذا حينما جاء بباخرة نفطية تحمل العلم اللبناني وقال بأنه إذا قُصفت هذه الباخرة سنقصف إسرائيل، هذه نقطة مهمة جداً على مستوى التفكير في العالم أن تكون هناك شخصيات كتشافيز والسيد حسن، كذلك الأمر فيما يتعلق بالحدود البحرية اللبنانية على حدود النفط. حينما تدخل إلى عالم الاقتصاد الذي يموّل الإعلام، فنزويلا اليوم تُعتبر المخزن الكبير للنفط الذي يُقدَّرب 300 مليار، ولكن التقنيات موجودة في الولايات المتحدة في خليج المكسيك لأنه نفط ثقيل، يتميّز أيضاً بقرب المسافة. أهم ما قامت بالولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الثانية، أحد الخصائص الجيوبوليتيكية أنها كانت بعيدة عن الحرب ومحمية، لذلك أنا قلتُ إن الاستقرار الإقليمي مهم جداً.
بيار أبي صعب: رغم كل هذا التهويل والتهديد العسكري والحصار وإمكانية أن نكون على شفىا حربٍ في أميركا اللاتينية تشاء الصدف أن تفوز ماتشادو بجائزة نوبل للسلام وهي معارضة يمينية صديقة لترامب ونتانياهو، هل النظام معرّض فعلاً للخطر إلى هذا الحد بمعنى أنه تتمّ هندسة البديل بهذه الثقة وبهذا التنظيم العالمي؟
جمال واكيم: بتقديري أن الولايات المتحدة تهوّل بالحرب ولكنها لن تشنّها على الأرجح، ولكن في مسألة التهويل ومحاولة تغيير النظام من الداخل عبر تلميع الصورة كما حصل في الشرق الأوسط، إضافةً إلى قضية البترول هناك المعادن الثمينة النادرة التي اكتُشفت حديثاً في فنزويلا التي يسعى ترامب للاستيلاء عليها في ظل التنافس مع الصين والكنترول الذي تفرضه الصين على تصدير بعض المعادن النادرة التي تحتاج إليها الولايات المتحدة في الصناعات العسكرية. هل ستتمكن من ذلك؟ هذا بتقديري يعتمد على قدرة الحكم في فنزويلا على تحريك الشعب للصمود في مواجهة هذه الحملة.
بيار أبي صعب: ربمّا التضامن البوليفاري في أميركا اللاتينية.
جمال واكيم: الرئيس الكولومبي متضامن. هناك مسألة الشراكة الاستراتيجية مع روسيا ما التي قد تلعب دوراً خصوصاً أن لروسيا مصلحة في صمود فنزويلا، جزء مما يحصل اليوم في أوكرانيا أنه أن نظام زيلنسكي يأتي بمرتزقة من أميركا اللاتينية ومن كولومبيا للقتال في أوكرانيا ضد الروس، إذاً هانك تشابك مصالح.
حسان الزين: قبل فترة قال ترامب إنه بصدد فرض العقوبات على كل مَن يصدّر النفط إلى الصين وكأن هناك فكرة تجفيف مصادر النفط الرخيص بالنسبة للصينيين، وفنزويلا تُعتبر مصدراً مهماً لأن مهرب العقوبات هو إلى الصين، قد تكون هذه الفكرة أساسية في عدم التمدد الصيني.
بيار أبي صعب: عن لقاء لولا دا سيلفا مع رئيس ترامب في كوالالمبور على هامش مؤتمر قمة دول جنوب شرق آسيا، هل من الممكن أن يساهم ذلك في تلطيف الأجواء وخفض التصعيد؟
حسان الزين: الموقف البرازيلي هو فيه عدة اتجاهات، الرئيس البرازيل أولاً لم يعترف بانتخاب مادورو، موقفه هو أكثر حياديةً وعقلانية في المنطقة، ثانياً هو لا يريد حرباً، حاول الأميركيون في فترةٍ معيّنة الزج بالجيش البرازيلي في قضايا مهمة وخاصةً عندما وقعت مشكلة بين فنزويلا وغيانا على النفط حيث أن مساحة النهر كبيرة جدأً. ثالثاً الموقف البرازيلي على مستوى البرازيل، حزب العمال أعلن منذ فترة تضامنه الكلي مع الرئيس مادورو ولكن قبل ذلك فرض ترامب عقوبات بنسبة 50%، نظرية السقوف العالية إلى فن المفاوضات، فرض عقوبات أيضاً على رئيس المحكمة العليا وقال إما تطلق سراح بولسونارو وإما الانتخابات لأن الانتخابات القادمة ستؤثّر. دا سيلفا لديه مرونة عالية ويريد أن يجنّب البرازيل هذا الأمر ولكن حظوظه في الانتخابات ضعيفة لأنه لم يبلغ المرحلة الي تخوّله الوصول إلى الانتصار الساحق، هو متأرجح. الرئيس دا سيلفا لديه القدرة والمرونة وقد يلعب دوراً مهماً في هذه النقطة مع الفنزويليين. هناك مشاكل متعددة بين البرازيل وأميركا، أولاً بالنسبة للنفط، فنزويلا عضو في الأوبك أما البرازيل فلا، والأوبك لها دور مهم جداً، ترامب كان قد طلب من بوتين ومن السعودية وهذه الأخيرة رفضت. أيضاً هناك المعادن النادرة، الكوبالت، أيضاً ألكانترا المنطقة الفضائية المهمة جداً، الأمازون، الأمن الغذائي، كلها ملفات مهمة في الصراع البيئي. ما يشكّل خطراً على الأميركيين هو التكتلات أو بنية التكتلات، البريكس، نحن نتكلم عن أداتين مهمتين هما سويفت الدولار والدولار الأميركي. ما قام به الفنزوليون في هذه الفترة من ناحية التجارة بالنسبة للنفط هو البيتكوين وغيرها من العملات المشفّرة والخروج عن منطقة الدولار، وهذه الخطوة أقدم عليها سابقاً صدام حسين والرئيس الليبي ومعمّر القذافي، أيضاً الذهب في أميركا اللاتينية. إذن حين نتكلم عن الدور البرازيل فهو الدور الأكثر عقلانيةً ومسالمةً لأنه يعتبر أن السلم مهم جداً، وكلمة غوستافو كانت مهم جداً وهذا يعني أن هناك اتجاهات معينة. الرئيس البرازيلي يعتبر أن الانقضاض على النظام سيسبّب خللاً في النظام بأميركا اللاتينية، وهذه نقطة مهمة جداً يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لأن هذا سيؤدي إلى خللٍ في النظام العالمي. وأنا قلتُ إنه في استراتيجية الاستقرار في المنطقة على مستوى الإقليم ترامب يريد أن يأخذ كندا وكل العالم لأنه يعتبر أن هذه المنطقة منطقته، الحديقة الخلفية أو حديقة المنزل، وقد قام ضد مونرو الذي يقول بعدم تدخل الاستعمار في أميركا اللاتينية وعدم تدخل أميركا في أوروبا.
بيار أبي صعب: لنذهب إلى الصين، ماذا لو كان ترامب يحارب للهرب من أزماته لإفراغها في البحر الكاريبي ويواجه العدو الأكبر وهو الصين لمنعها من الحصول على أي جزء من هذه الحديقة الخلفية؟
جمال واكيم: الصيني لا يريد أن يأخذ ولكن عند البحث عن بدائل الهيمنة الأميركية يتمّ اللجوء إلى الصين، ومن هنا نلاحظ أن الضغط على فنزويلا أساسه أنها قامت بخرق في منطقة الكاريبي، مثلاً عندما حققت الثورة الكوبية هذا الخرق جرى محاصرتها لأن الكاريبي أساسي بالنسبة لما تعتبر الولايات المتحدة هيمنتها وأمنها القومي. فنزويلا قامت بهذا الخرق وتابعته كولومبيا، ولكن هناك مسألة أخرى وهي ما حصل في نيكاراغوا حينما حاولت الصين حفر قناة في نيكاراغوا تشكّل بديلاً عن بنما، والذي كان من المفترض أن يشكّل المرفئ الحاضن للحاملات الضخمة هو ميناء كوبا مارييل. حين سيهاجم الأميركي في منطقة الكاريبي فهو يقصد ضرب محاولة الصين أن تخلق طرقاً بديلة عن الطرق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، حينها يكون امتداد الخط من الصين إلى نيكاراغوا ثم فنزويلا ثم البرازيل ويتفادى الولايات المتحدة. مشكلة ترامب مع كندا هو ترانس كندا بحيث تأتي السفن الصينية إلى فانكوفر وتنتقل عبر ترانس كندا إلى مونتريال، وهنا تتهمّش أميركا أو تُحاصَر من طرق تجارة بديلة عدا عن الحزام والطريق. من هنا الضغط على بنما لعرقلة قناة نيكاراغوا والتي لها بحيرة ضخمة تشكّل مرفاً طبيعياً لحاملات الحاويات الضخمة. فبالتالى الصين في ذهن الدولة العميقة في الولايات المتحدة هناك خريطة عالمية أو رقعة شطرنج كبرى كلها تشكّل زوايا معيّنة من ضمن الخريطة الكبرى للولايات المتحدة.
بيار أبي صعب: أستاذ خالد ما هي توقعاتك عن المناخات، في العقود الثلاث الماضية دعمت واشنطن عشرات الانقلابات ومحاولات الانقلاب والثورات الملوّنة في الأميركيتين مع تمكُّن رجال واشنطن مثل خافيير مايلي في الأرجنتين وهوالرئيس النموذجي الذي تحلم به واشنطن ودانيال نوبوا الذي يحاول أن يعيد وسيعيد إلى الإكوادور القواعد الأميركية، وحتى رودريغو باز اللي وهو يميني وسطي معتدل تحدّث مباشرةً عن الانفتاح في بوليفيا على أميركا، كيف يبدو لك المشهد اليوم من جهة أصدقاء أميركا في أميركا اللاتينية؟
خالد هندي: منذ مجيء تشافيز إلى السلطة في فنزويلا تغيّرت أنظمة كثيرة في أميركا اللاتينية كانت محسوبة على السياسة الأميركية منها نظام الأرجنتين، الإكوادور، بوليفيا وحالياً نظام كولومبيا كان أشد عداوةً على الأنظمة اليسارية في أميركا اللاتينية حيث كان يتآمر عليها ولكن وجود غوستافو بيترو غيّر هذه الطريقة أو هذا النمط السياسي في كولومبيا. كولومبيا حالياً تُعتبر قلعة اليسار في أميركا اللاتينية كما قال ضيوفك الكرام، ونيكاراغوا وكوبا في أميركا الوسطى. كل هذه الحشودات العسكرية على فنزويلا بنظري هي محاولة لابتزازها وإرضاخها للأمر الواقع، هي محاولة لتغيير الحكم ولكن داخلياً لم يتغيّر الحكم، الأمن مستتب في فنزويلا، الجيش متماسك، الحكومة متماسكة، المعارضة في أضعف حالاتها، الشعب الفنزويلي حالياً ينعم بالطمانينة والاستقرار ليس كالثمانينيات والتسعينيات، وحتى في عهد تشافيز لم يكن الأمن مستتباً في الشارع الفنزويلي كما هو الآن.
بيار أبي صعب: الصورة واضحة بالنسبة إلى فنزيلا أستاذ خالد، الرئيس الأرجنتيني يدمّر الصناعات ويساعد أميركا في السيطرة على الصناعات وتحويل البلد إلى منجم يمدّ أميركا.
خالد هندي: نعرف أن هناك محاولة لإقامة إسرائيل ثانية في الأرجنتين، باتاغونيا بين الأرجنتين وتشيلي هناك شركات صهيونية وجنود إسرائيليين يذهبون سنوياً إلى هناك، نعرف أن باتاغونيا غير مأهولة تقريباً وهم يقومون بشراء أراضٍ هناك، وفي وقتٍ من الأوقات يجرون استفتاءً ويخلقون إسرائيل ثانية في أميركا اللاتينية، هذا مشروع معروف.
بيار أبي صعب: حتى في هذا الموضوع هناك رابط عضوي حقيقي بين صراع شعوبنا في العالم العربي وصراع شعوب أميركا اللاتينية ضد الطغيان والاستبداد والجرثومة الصهيونية التي تتمدّد حتى أميركا اللاتينية، أشكرك أستاذ خالد. كلمة الختام للرئيس الكولومبي غوستافو يبترو من خطابه الأخير الشهير في الأمم المتحدة "إن واشنطن وحلف شمال الأطلسي يقتلان الديمقراطية ويسهمان في إحياء الاستبداد والشمولية على نطاقٍ عالمي، إنني أدعو إلى رفع الرايه السوداء والحمراء التي رفعها بوليفار وهي راية الحرية أو الموت من دون أن ننسى الرايه البيضاء التي ترمز إلى السلام والأمل، الأمل على الأرض والأمل في قلب الإنسانية". شكراً لضيوفي مع حفظ الألقاب جمال واكيم، حسان الزين، خالد هندي، شكراً على المتابعة وإلى الأسبوع المقبل.