لبنان في دائرة التجاذبات
"التفاوض"... كلمة تملأ المشهد اللبناني اليوم. لكن السؤال الجوهري يبقى: تفاوض مع من؟ مع كيان يواصل الاحتلال والخروق والقتل، ويضرب عرض الحائط بالقرارات الدولية؟ ومع رعاة دوليين منحازين لا يحمون إلا مصالح "إسرائيل"؟ بين ضغوط الإذعان وتجارب "السلام" التي لم تجلب سيادة ولا استقرارًا ولا ازدهارًا… يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن فعلاً بناء سلام عادل مع مشروعٍ قائم على الإبادة والتوسع؟ أم أن لبنان ما زال عالقًا بين حرب لا تنتهي وسلام مستحيل؟
نص الحلقة
بيار أبي صعب: مساء الخير. ربّما كان التفاوض أكثر كلمة تتردّد اليوم في لبنان، كلمةٌ نسمعها على مدار الساعة في الإعلام وعلى لسان محلّلين وسياسيين ودبلوماسيين ومبعوثين ورؤساء. التفاوض مع مَن؟ مع العدو الذي يُثبّت احتلاله لأراضٍ لبنانية ويواصل اختراق السيادة والقتل والتدمير ويمنع العودة والإعمار ولا يخفي أطماعه ومشاريعه التوسّعية، فيما سوريا في مهبّ الريح وأخطر السيناريوهات تُحضَّر لقطاع غزّة المُدمّر وللضفة الغربية التي ضمّها الكنيست أخيراً. يخضع لبنان للضغط والابتزاز وتنهال عليه الوعود الرنّانة، مطلوبٌ منه أن يجلس الى الطاولة ويفاوِض، التفاوض على ماذا؟ مع كيانٍ غير موثوق يضرب عرض الحائط الاتفاقات والقرارات الدولية، التفاوض بضمانة رُعاة مُنحازين لا يضمنون شيئاً غير مصالح إسرائيل. هل تجارب السلام التي شَهِدناها في العقود الماضية مُشجّعة حقاً؟ هل إسرائيل بطبيعتها الإبادية والاستيطانية قادرة على السلام العادل والشامل الذي يُشنّف الآذان العربية منذ نصف قرن. بين حربٍ لا تنتهي وسلامٍ مستحيل إلى متى يبقى لبنان في دائرة التجاذُبات؟
لمُناقشة هذا الموضوع نستضيف الليلة في الاستوديو وزيرين سابقين، السياسي والمحامي والكاتب كريم بقرادوني، والكاتب والدبلوماسي والسياسي عدنان منصور، أهلاً بكما في هذه الحلقة الجديدة من "على محمل الجد"، أهلاً بضيفينا. أستاذ كريم نبدأ معك على أن يكون لنا تَرَف الختام مع الأستاذ عدنان، هل إسرائيل فعلاً مُنْتَصِرة في الإقليم أم أن إدارة ترامب تحاول أن تفرض هذه السرديّة وصورة انتصار إسرائيل والذي لا يتطابق تماماً مع مُعطيات الواقع؟
كريم بقرادوني: إسرائيل تفرض نفسها وحتى حلفاءها لن يستمرّوا معها لأن مشروعها هو مشروع إسرائيل الكبرى، وبرأيي أن إسرائيل لن تبقى بحدودها القائمة حالياً. التفاوض يكون ضرورة أحياناً وأحياناً أخرى يكون استمراراً للحرب بوسائل أخرى، وبالتالي علينا أن نبقى مُستعدّين للحرب وللتفاوض أيضاً. ما قام به ترامب ليس ظرفياً، الأمر الإيجابي الوحيد أنه منع إسرائيل من ضمّ الضفة الغربية وقال بوضوحٍ إنه لا يحقّ لإسرائيل ضمّ الضفة.
بيار أبي صعب: أستاذ عدنان كيف ترى خطّة ترامب وقمّة شرم الشيخ للسلام؟ هل هي خطّة استيطانية غامِضة مُرْتَجلة واستعراض نرجسيّ فيه تمجيد للذات أم هي خطوة حاسِمة مهمّة في تاريخ الشرق الأوسط ستكون لها انعكاسات على لبنان وسوريا وعلى القضية الفلسطينية؟
عدنان منصور: أولاً بالنسبة لترامب وإسرائيل السياسة واحدة في المنطقة لأن المشروع الأميركي بحدّ ذاته هو المشروع الإسرائيلي، ولو كان هناك انفصال ما بين السياسة الأميركية والسياسة الإسرائيلية لما اعترف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان، ولما اعترف بسيادة إسرائيل على القدس ونقل السفارة إليها. السياسة الأميركية مطّاطة، حين يكون هناك وضع مُتفجّر في أية منطقة ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تحلّ المشكلة، كيسنجر في العام 1922 قال خلال مقابلة مع "ذا أتلانتيك" إن الولايات المتحدة ليست جمعية خيرية وليس من مصلحتها أن تحلّ المشاكل في العالم لأنه لن يعود هناك دور لها، من مصلحتها أن تُمْسِك بخيوط المشكلة وتديرها حسب مصالحها السياسية والاستراتيجية ولو بشكلٍ مؤقّتٍ أو غير دائم. إذاً اليوم بالنسبة للصراع في فلسطين والحرب على غزّة نلاحظ أن ترامب أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل منذ البداية ولم يوقِف الحرب بل على العكس زوَّدها بكل وسائل الدعم السياسي والدبلوماسي والتكنولوجي والعسكري والمالي وكل شيء.
بيار أبي صعب: ثلاثون ملياراً خلال سنتين.
عدنان منصور: هذا ما يظهر في العَلن فقط من دون المساعدات تحت الطاولة. هذا الامتداد الأميركي باتجاه إسرائيل لم يتوقّف لحظة رغم كل ما حصل في غزّة من مجازر، حتى الآن الولايات المتحدة لا تعترف بأن هناك مجازر في غزّة.
بيار أبي صعب: اليوم هناك تلازُم في المسارات، هما طرف واحد في إسرائيل، ما تحاولان فعله في غزّة وقمّة شرم الشيخ هو لإعادة احتلال غزّة بشكلٍ آخر أليس كذلك؟
عدنان منصور: بالضبط، قمّة شرم الشيخ لم تحلّ المشكلة، هدف نتنياهو كان التخلّص من موضوع الأسرى، وبمُجرّد استلام الأسرى سيرتاح بسبب تزايُد الضغط الداخلي عبر التظاهرات اليومية في "إسرائيل" التي تُدينه، حين يستعيد الأسرى يصبح مُتحرّراً، لن يمشي بحسب الخطّة التي وضعها ترامب، الإسرائيلي مُماطل، هو مفاوِض خبيث ولا يعطيك حقّك، هو يفاوِض على حقّك وليس على حقّه.
بيار أبي صعب: يأخذ ما لك وله.
عدنان منصور: ما من حربٍ لأجل الحرب، في نهاية الأمر ستؤدّي إلى مفاوضات، عند الدخول في مفاوضات بين فريقين أو أكثر لا أستطيع أن أحصل على مئة بالمئة، تختزل كل شيء، الكنيست الإسرائيلي اليوم عندما فرض السيادة على الضفة لأنه قبل 1967 كان قد خطّط ومع اتفاق أوسلو جرى =تقسيم غزّة إلى ثلاثة أقسام أ وب وج، الجيم تشكّل ستين في المئة من قطاع غزّة، الأمن والإدارة لإسرائيل، 70% من مياه الضفة الغربية صادَرَتها إسرائيل، مُصادرة الأراضي، خمسمئة ألف مستوطِن موجود فيها، على أيّ أساس إذاً نتحدّث عن دولةٍ فلسطينيةٍ؟ هذا وَهْم.
بيار أبي صعب: سألنا الكاتب والسياسي الأستاذ مروان عبد العال القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن رأيه في خطّة ترامب وما يُحضَّر للمنطقة تحت عنوان السلام وعن أفق هذا السلام في سوريا ولبنان، نتابع معاً.
مروان عبد العال: أولاً بالنسبة لما يُروَّج عن خطّة ترامب فهي لا تطرح حلاً إنسانياً وفي نفس الوقت كل الذين استمعوا إلى النقاط الواحدة والعشرين يعرف تماماً بأن هذه الخطة لا تحمل أفقاً سياسياً أي أنها لم تتطرّق إلى حلّ القضية الفلسطينية وخاصةً في ظلّ الحديث عن أفق ينتهي إلى مسألة دولة فلسطينية. هذا الشعور العالمي بأن هذه الإبادة يجب أن تتوقّف ولكن ليس بشكلٍ مؤقّت، لذلك عندما نرى المرحلة الأولى التي كانت الهاجِس الأول في وقف إطلاق النار نرى أن هناك خروقات، هناك وقف إطلاق نار وليس سلاماً ويجب أن نُفرّق تماما ًبين وقف إطلاق النار وبين السلام، حتى وقف إطلاق النار إلى الآن ليس صلباً نتيجة الخروقات الإسرائيلية ونتيجة أن ذهنيّة الحرب ما زالت قائمة وقرار الحرب ما زال موجوداً. بالنسبة للمرحلة الثانية وهي الأكثر صعوبة يُقال إن هذه المرحلة تهتمّ بها الولايات المتحدة الأميركية بشكلٍ كبير وهي تتعلّق بثلاث نقاط، هذه النقاط لا يمكن أن تُقْبَل فلسطينياً لذلك قالت فصائل المقاومة إن هذه مسألة وطنية وعربية، حتى بعض الأنظمة العربية لا ترى بأن هذا سيشكّل حلاً. الأولى هي مسألة القوات الدولية، الحديث عن قوات دولية من دون تعريف مُكوّناتها ووظيفتها، وأكثر من ذلك هل هذه القوات الدولية ستكون مؤقتة أم مُستقرّة؟ وهل هذه القوات الدولية ستقوم بوظيفة الاحتلال؟ بذلك ستكون مرفوضة بالتأكيد، فبالتالي هناك فرق بين أن يكون هناك جهد عربي قائم وموجود وبين قوّة دولية غير معلومة الهوية والدور. المسألة الثانية هي الوصاية، هناك رأي وكان قد تبلور في ورقةٍ مصريةٍ وافقت عليها الفصائل هي لجنة الإسناد للمجتمع بمعنى أن لجنة الإسناد المجتمعي تكون مُرتبطة بين السلطة في رام الله وبين إدارة غزّة لأنه من دون ذلك فنحن نكون قد أسّسنا لانفصالٍ قانوني إضافةً إلى الانفصال الجغرافي بين غزّة والضفة الغربية، لكن الواضح تماماً أنهم يريدون شكلاً ثالثاً في هذه الوصاية عبر مجلس السلام الذي تحدّث عنه ترامب، هذا المجلس يكون بإدارة إقليمية. النقطة الثالثة هي مسألة السلاح، لا شكّ أن الحديث عن السلاح من دون قيام دولة صعب، هذه قضية داخلية فلسطينية، فعندما يتمّ التهديد بسحب السلاح فإن ذلك تهويل بالحرب، لذلك ما من أفق للسلام. بخصوص سوريا ولبنان والدور على هذا الصعيد معروف وهذه أحد المحاذير أنه يستحيل فرض التطبيع من دون حلّ القضية الفلسطينية. ما أثبتته هذه الحرب أن الذهاب إلى التطبيع مع العرب لتصفية القضية الفلسطينية كما كان يحلم عُتاة الصهاينة فإن هذه المسألة قد فشلت. الآن العالم كله ينزع الأَسْرَلة بمفهومها الشامل كروايةٍ إسرائيليةٍ وكمفهوم الأمن الإسرائيلي ومفهوم السياسة الإسرائيلية، فلذلك إمكانية نجاح مثل هذه الخطوة في إيجاد اختراق على صعيد هذه الجبهة لن يكون سلاماً بل إرضاخاً كما قال باراك في يومٍ من الأيام، قال لا يوجد سلام بل إرضاخ، يجب أن ترضخ للمخطّط الإسرائيلي وهذا صعب على لبنان وسوريا لِما فيهما من واقعٍ ثقيل وتجربة عميقة مع القضية الفلسطينية، فلا أعتقد أنه من السهولة العبور إلى مثل هذه النقطة.
بيار أبي صعب: أستاذ كريم بقرادوني المنطقة بلا شكّ خضعت لمجموعةِ تغييراتٍ جيوستراتيجية وخَلّل بالتوازن الجيوستراتيجي لصالح المحور الأميركي الإسرائيلي الإبراهيمي، هل على النظام اللبناني أن يخضع لهذا المحور تحت ضغط التهديدات والابتزاز والضغوط من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى إغراءات الوعود بالاستقرار والازدهار والسلام والتعافي إلى آخره، ما هو موقع النظام اللبناني مما يحدث في المنطقة؟
كريم بقرادوني: النظام اللبناني ليس نظاماً بل دولة، هذا ما يُميّزنا عن الباقين، النظام يعني حزباً واحداً بأساليب عمل مضبوطة من قِبَل ما يُسمّى بالسلطة أو الدولة. لبنان عالم مُنفتح، أتذكّر أن السيّد حسن نصر الله قال لي ذات مرة في إطار الحديث عن المقاومات، قال ما كان يمكننا أن نصنع المقاومة لو لم يكن هناك لبنان، المكان الوحيد الذي سمح لنا بحمل السلاح والمقاومة هو لبنان. أقول إن المقاومة يجب أن تبقى مقاومة وتشتغل وتتحدّث كمقاومةٍ والدولة عليها أن تعمل وتتحدّث كدولةٍ، الخلط بين الدولة والمقاومة خطأ، نحن نحتاج إلى الإثنين، بحاجةٍ إلى مقاومةٍ تستمر وتُنفّذ، أهمية المقاومة أنها حين تحمل السلاح عليها أن تبرِّره، المقاومة التي لا تقوم بعملياتٍ ضدّ العدو لا حقّ لها بالسلاح.
بيار أبي صعب: أين الدولة اليوم بالنسبة للضغوطات الحاصلة، هذا المحور الجديد المُهَيْمِن الأميركي الإسرائيلي، كيف يمكن للدولة أن تحافظ على خصوصيّتها؟
كريم بقرادوني: هو مُهَيْمِن منذ 1947، هناك استراتيجية إسرائيلية أميركية عبّر عنها صديقي العزيز بشكلٍ واضح تماما، أميركا تفعل ما تريده إسرائيل والعكس صحيح، في المواجهة الأمر مختلف بين شعوب المنطقة ومقوّمات المنطقة ودول المنطقة لا بل هناك تناقُض. حزب الله لديه سلاح وإنْ لم يكن لديه سلاح لكان تيّاراً مثل الحزب الشيوعي.
بيار أبي صعب: ولكن التوازن اختلّ، اليوم لا نستطيع القول بأن محور المُمانعة يمتلك نفس الحضور.
كريم بقرادوني: معركة تموز كانت ناجحة، ضرب حزب الله في المعركة الأخيرة والتركيز عليه وغياب قيادي مثل حسن نصر الله برأيي تستلزم الكثير من التفكير والتصميم والتخطيط الجديد، خطة المقاومة اليوم غير موجودة.
بيار أبي صعب: لا نعلم.
كريم بقرادوني: المقاومة يُفْتَرض أن تقوم بالعمليات.
بيار أبي صعب: لقد سلّموا زِمام الأمور إلى الدولة.
كريم بقرادوني: لا نعلم ماذا يحدث في الخفاء أما في الواقع فهناك دول تفاوض ومقاومة ترغب بالمفاوَضة. أنا أرى أن هناك استراتيجية أميركية إسرائيلية لا تواجهها استراتيجية عربية لبنانية.
بيار أبي صعب: المطلوب هو بناء استراتيجية لبنانية عربية. أستاذ عدنان منصور علينا أن نتخيّل أن لبنانياً في الغيبوبة منذ سنتين واستيقظ فجأةً ليجد نفسه في بلدٍ آخر، مُسيّراتٌ فوق القصر الرئاسي، فوق مبنى الحكومة، مُذيع مهمّ يدعو إلى السلام ويقول آن الأوان لكي نكسر المحظورات، نائب في البرلمان اللبناني على التلفزيون الإسرائيلي يقول إنه على المقاومة أن تستسلم، ماذا حدث؟ لم تعد إسرائيل هي العدو الذي يحتّل أرضنا ويقتلنا بعد سنتين من الإبادة في غزّة؟
عدنان منصور: للأسف منذ قيام دولة إسرائيل في العام 1948 الدولة اللبنانية لم تأخذ في الاعتبار أن هذه الدولة ليست دولة سلام وإنما دولة للتوسّع. منذ 1948 كان يُفترَض أن تكون الدولة اللبنانية جاهزة وأن تكون لها قوّة رَدْع لمواجهة أيّ عمل عدائي من قِبَل إسرائيل، هذا لم يحصل، في فترةٍ معيّنةٍ قيل إن قوّة لبنان في ضعفه، متى كان الضعف يصنع القوّة؟ كلام ضدّ المنطق وضدّ التاريخ وضدّ كل شيء،الضعف لا يخلق قوّةً، إسرائيل نشأت على القوّة وهي مستمرة بالقوّة وتحارب بالقوّة ولا تتخلّى عنها، إسرائيل تمنعك بأن تكون لديك القوّة. لا شكّ أن الضربة التي تعرّضت إليها المقاومة خلقت مُبرّراً داخل السلطة لسماع أصواتٍ تنادي بالسلام والمفاوضات. الخطر على دولةٍ ما عندما تكون تحت الاحتلال أو مُعرّضة في كل الأوقات للعدوان حينما يكون هناك انفصام ما بين الشعب والدولة. صحيح أن الدولة تمارس السياسة ولكنها ليست نقيضاً للمقاومة أو للخطر الذي نتعرّض إليه.
بيار أبي صعب: إذاً نحن في لحظة خَلَل في ظلّ غياب الوحدة الوطنية.
عدنان منصور: لبنان ذو ميزة خاصة في كل شيء، فريد من نوعه، حينما يكون البلد محتلاً فعلى الشعب بكل فئاته أن يتخلّى عن الخلافات السياسية وأن يعتبر أن الأمن القومي لبللاده مُهدّد وأن ينتمي إلى البلد ككل.
بيار أبي صعب: رأينا ذلك في إيران، حتى المُعارضة توحّدت في مواجهة العدوان.
عدنان منصور: عشتُ ثمانية أعوام في إيران وأعرف الوضع، الإصلاحيون والمحافظون يختلفون سياسياً ولكن حين تتعرّض الأمّة الإيرانية للتهديد ترى الجميع على خطٍّ واحدٍ، وقد لمستُ ذلك، للأسف هذا الأمر غير موجود في لبنان بل إن هناك مَن يستجلب الإسرائيلي ليضرب لبنان من خلال وسائل التواصُل الاجتماعي. إذا كنتَ في دولةٍ لها قانونها ودستورها فإن القانون ينصّ على أن التعاطي مع (الدولي) يُعاقب عليه إن كان عبر الاتصال أو الغَزَل أو غيره، هذا لا يؤدّي إلى الاستقرار في لبنان وإنما إلى تفجير الوضع. حين وقعت فرنسا تحت الاحتلال الألماني ودخلت القوات النازية إلى باريس لم تستسلم فرنسا، الجنرال شارل ديغول ذهب إلى لندن من الإذاعة إلى المقاومة. حينما كان الجيش الفرنسي غير قادر على صدّ الزحف النازي وقفت المقاومة الفرنسية وما تبقّى من الجيش الفرنسي يداً واحدة، أوروبا الشرقية توحّدت ضدّ النازية. في لبنان هناك مَن يُغازِل العدو وهناك طلاق ما بين اللبنانيين.
بيار أبي صعب: بعض الإعلام ينقل الرواية الإسرائيلية فقط.
عدنان منصور:أنا كمواطنٍ لبناني أنظر إلى مصلحة لبنان، هذا العدو لا يريد السلام والدليل أن نتنياهو يتحدّث عن الخارطة التلمودية.
بيار أبي صعب: أستاذ كريم رئيس الجمهورية فاجأ الجميع بالحديث عن التفاوض غير المباشر، أميركا تدفع باتجاه التفاوض المباشر، هل التفاوض هو الحلّ الوحيد المُتاح اليوم أمام الدولة اللبنانية؟
كريم بقرادوني: التفاوض ضروري ولكنه ليس الحلّ الوحيد. حارِب وكل حرب تنتهي بالتفاوض، التفاوض ليس خطأً خلافاً للمُزايدات، برأيي التفاوض طبيعي وإذا لم نتفاوض سنخسر.
بيار أبي صعب: إذاً الخيار المُتاح اليوم هو التفاوض.
كريم بقرادوني: القوّة تُبنى في الداخل، بقَدْر ما يمتلك المُفاوِض العربي أو اللبناني القوّة الداعمة في الداخل بقَدْر ما يكون أقوى على الطاولة. وبالتالي حين نتحدّث في لبنان عن الوحدة الوطنية علينا الحديث أيضاً عن الوحدة العربية، هكذا نحقّق التوازن، الخَلَل اليوم أن هناك خطة واستراتيجية وفي المقلب الآخر ليس هناك خطّة أو استراتيجية. لبنان اليوم يقوم بما يمكنه القيام به عبر الإعلام، لا أخفيك أن الإعلام الوحيد العربي الحرّ هو إعلامنا على علّاته، الإعلام قوّة كبيرة تُسْتَعْمَل، اليوم هناك إعلام بدلاً من الحرب ولكن هذا لا يعني ألا نُهيّئ أنفسنا للحرب، ولا يعني أنه حين نكون في حال حرب ألا نقوّي الإعلام. إذا لم يكن هناك تفاوض على دولة فلسطينية فأن كل تفاوض آخر غير مقبول، وإذا طرح المُفاوِض العربي أو الفلسطيني موضوع الدولة الفلسطينية فهذا يعني أننا نسير على الطريق الصحيح.
بيار أبي صعب: فاصل قصير ونعود.
=أهلاً بكم مجدّداً أعزّائي المشاهدين في هذه الحلقة من برنامج على محمل الجد، اسمحوا لي أن أعيد الترحيب بضيوفنا: الأستاذ عدنان منصور والأستاذ كريم بقرادوني. نصل إلى الجزء الثاني من حلقتنا مع فقرة "على محمل النقد"، الصحافي والكاتب السياسي أمين قمورية يرى أن التنازُلات في مواجهة إسرائيل هي بِئْرٌ بلا قاع، ويسأل كيف يجري الحديث عن السلام إذا لم يكن هناك من قوّة تحمي هذا السلام، نستمع إلى الأستاز أمين قمورية.
أمين قمورية: يكثُر الحديث اليوم عن مفاوضات وعن عملية سلام، أية مفاوضات وأيّ سلام مع إسرائيل! إسرائيل أصلاً في الماضي كانت لا تعترف بالسلام فكيف يمكن أن تعترف به اليوم؟ هي تعتبر نفسها أنها انتصرت في حروبها الأخيرة وأن على المُنْتَصر أن يضع شروطه وعلى المهزوم أن يقبل بكل هذه الشروط المفروضة عليه. وبالنسبة لإسرائيل أنه عليك أن تقدّم التنازُلات والتنازُلات بالنسبة لإسرائيل هي بئر بلا قعر، كلّما قدّمتَ تنازُلاً أردات تنازُلاً آخر. حتى اليوم لا نعرف ما هو سقف التنازُلات، هل هي فقط حرية التحرّك في السماء والأرض اللبنانية؟ هل هي فقط شريط أمني لحماية الحدود الإسرائيلية أو أمن إسرائيل الداخلي؟ هل هي فقط منطقة منزوعة السلاح أم أنها تتدخّل في الشأن اللبناني بكل شارِدة ووارِدة، حتى تصل اليوم كي تقول مثلاً إن هذا الحزب اللبناني يصلح للحياة السياسية اللبنانية أو لا يصلُح، هذا المنهج الدراسي يصلح لهذه الجامعة وتلك المدرسة أو لا يصلُح، لا أحد يعلم ما تقبل به إسرائيل وما لا تقبل به. للأسف فإن الولايات المتحدة راضية بكل ما ترضى به إسرائيل وقد تقول لنا ارضوا بما يُرضي إسرائيل وهنا الطامّة الكبرى. لذلك قبل الذهاب إلى أية مفاوضات أو سلام مع إسرائيل يجب أن نعدّ للعشرة قبل ذلك، لا مانع من ذلك من أجل إخراج إسرائيل من الأراضي المحتلّة ضمن الاتفاقات الدولية ومنها 1701 الذي ينصّ على الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي اللبنانية وأن يجري تثبيت هدنة 1949، لكن هناك أمر آخر، كيف يُحكى اليوم عن السلام إذا لم تكن هناك قوّة تحمي السلام، مصر عقدت معاهدة سلام ولكن لديها جيش قوي ولا يزال هذا الجيش يتسلّح ويحاول الحصول على أعلى القُدرات رغم السلام القائم مع إسرائيل. الأردن أيضاً عقدت معاهدة سلام مع إسرائيل ولديها جيش لا بأس به وجهاز مُخابراتي قد يكون الأقوى في العالم. المطلوب اليوم أن نُجرَّد من كل إمكانات القوّة قبل أن نذهب إلى المفاوضات، كيف ستفاوض إذا لم تكن لديك أوراق؟ لا أقول ذلك دفاعاً عن سلاح حزب الله لكن على الأقل أن يكون هناك اتفاق لبناني على تمتين الصف الداخلي اللبناني والتفتيش عن مكامِن القوّة التي قد توفّر أسباب القُدرة على التفاوض من موقعٍ قوي وليس من موقعٍ الضعيف.
بيار أبي صعب: أستاذ عدنان اتفاق 27 نوفمبر لوقف إطلاق النار حصل نتيجة مفاوضات غير مباشرة، إسرائيل لم تحترمه لا بل استعملته كخديعةٍ لتحقّق إنجازات لم تحقّقها خلال حرب ال 66 يوماً. ما أهمية المفاوضات الجديدة؟ هل يمكن الثقة بإسرائيل؟ هل إسرائيل غيّرت نواياها وأهدافها وطموحاتها وأطماعها كي تفكّر الدولة اللبنانية في التحاور معها؟
عدنان منصور: أتصوّر أن إسرائيل والولايات المتحدة تريدان جرّ لبنان إلى مفاوضات الاستسلام وليس مفاوضات قائمة على التوازُن والحقّ والعدل. في 27 نوفمبر الماضي حصل وقف إطلاق النار برعاية أميركية ورئيس اللجنة الخُماسية أميركي، هل تحرّكت الولايات المتحدة لمرةٍ واحدةٍ لكي تمنع العمليات الإسرائيلية؟ لو كانت هناك عمليات عسكرية من الجانب اللبناني ربّما نعطي إسرائيل مُبرّراً للردّ، ولكن طيلة الفترة الماضية لم تُطلَق رصاصة واحدة، إسرائيل تريد ذلك كي تستبيح الأرض، ومع ذلك المقاومة ضبطت نفسها والتزمت بالاتفاق على عكس إسرائيل. إسرائيل لا تلتزم بأيّ اتفاق على أية جيهة من الجبهات العربية، القانون الدولي واضح، متى يعطي القانون الدولي الحقّ لدولةٍ باحتلال ومُصادرة الأراضي وتغيير ديموغرافيّتها.
بيار أبي صعب: السؤال عن جدوى التفاوض، الدولة اللبنانية تريد التفاوض لتحقيق أمرٍ ما.
عدنان منصور: مَن يذهب إلى المفاوضات يجب أن يكون في موقع القوّة، أولاً عليه أن يُحصّن الجبهة الداخلية، العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة يعرفان أن الأرضيّة داخل لبنان رخوة لأن هناك مَن يطالب بالتفاوض مع إسرائيل حتى لو تخلّى عن الأرض. هل إسرائيل قادرة على تفاوضٍ يؤدّي إلى وقف إطلاق نارٍ دائم برعايةٍ دوليةٍ وأيضاً عدم الاعتداء والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة، هل إسرائيل ستفعل ذلك؟ مُطلقاً.
بيار أبي صعب: أستاذ كريم بقرادوني في المقال الأخير لتوم برّاك تحدّث عن إذا سلّم حزب الله سلاحه ودخل لبنان في مسار السلام سيستعيد سيادته وازدهاره وأن هذه فرصة للبنان، لنفترض أن حُلم توم برّاك قد تحقّق وذهبنا باتجاه السلام هل حُلم لبنان بالازدهار والاستقرار سيتحقّق؟ رأينا تجارب السلام في العالم العربي خلال العقود الأخيرة، هل حقّقت الإنجازات المطلوبة على مستوى الأمن والسيادة وعلى مستوى الازدهار الاقتصادي والحريات العامة؟
كريم بقرادوني: أعتقد أنه لو لم تكن إسرائيل موجودة في المنطقة لكان يجب أن نكون مثل أوروبا، نحن قادرون على ذلك، رقعة التعليم في المنطقة اتّسعت جداً وبالتالي لولا هذا الصراع لكنا كأوروبا عربية. أما في ظلّ هذا الصراع فالأولويّة هي التخلّص منه، تجربة مَن عقدوا اتفاقيات سلام لم تنجح، كامب ديفيد، مصر هي تقريباً في حالة عدم سلام ولم تجنِ شيئاً من السلام في حين أن إسرائيل تسرح وتمرح وتقوم بالعمليات.
بيار أبي صعب: في فيلادلفيا .
كريم بقرادوني: ثانياً لبنان، وقّع لبنان على اتفاق 17 أيار وفي النهاية تقاتلنا في ما بيننا وربحت إسرائيل وتوسّع الاحتلال الإسرائيلي كَبُر، لهذا السبب فإن لبنان لا يمكنه المُضيّ نحو السلام إذا لم تكن المنطقة العربية أو الحلفاء العرب على الأقل السلام اي سوريا والعراق ومصر، لا يمكننا الذهاب إلى السلام وحدنا لأن السلام هو استسلام، والمفاوضات التي تقوم على أساس القوّة هي التي تؤدّي إلى نتيجة، هل يُعقل ألا يجتمع العرب للتشاور في ما بينهم، حتى أنهم لم يعقدوا قمّة.
بيار أبي صعب: اجتمعوا في شرم الشيخ لهدفٍ آخر.
كريم بقرادوني: قمّة شرم الشيخ ليست قمّة عربية وإنما أميركية، بناءً عليه أنا من القائلين بأن علينا أن نقوّي موقعنا، لبنان يشكّل خطراً على إسرائيل، حزب الله خلق انقساماً في الداخل الإسرائيلي بين مؤيّد ومعارِض، نحن بحاجةٍ دائماً إلى حزب الله أو مثله، من خلال المقاومة سوف نكون مستعدّين للتفاوض، وأنا أرى أن قوّة لبنان هي في وحدته الداخلية وفي إعلامه لأن الإعلام هو وسيلة مهمّة جداً في الحرب وفي المفاوضات.
بيار أبي صعب: أستاذ عدنان فخامة الرئيس جوزيف عون فاجأ الجميع حينما تحدّث عن فكرة التفاوض غير المباشر وقال إن المناخ اليوم مناسب للتسويات ولا يمكن للبنان أن يكون خارج هذه الحال في =المنطقة، في المقابل الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله قال للأميركيين لن تأخذوا منا شيئاً، إذا أردتم أن يستعيد لبنان استقراره فلتكفّ إسرائيل يدها عن لبنان، كيف يمكن التوفيق بين وجهتيّ النظر هاتين؟
عدنان منصور: أولاً لا أحد ضدّ المفاوضات غير المباشرة لأن الحروب ستؤدّي في نهاية الأمر مهما طال إلى مفاوضات، الفيتناميون تفاوضوا في بارس لعدّة سنوات والحرب مشتعلة في فيتنام، لم ينتهِ التفاوض إلا بعد عمليات عسكرية أفرزت نتائجها في الميدان. لبنان تحت الاحتلال، ما يريده لبنان هو انسحاب إسرائيل، إسرائيل رفضت الانسحاب إلا بشروط، لبنان يتعهّد بعدم القيام بأية عمليات عسكرية في المستقبل ضدّ إسرائيل بموجب ضماناتٍ دولية من قِبَل الأمم المتحدة والدول الكبرى الحيادية، ولكن هل ستقبل إسرائيل؟ التطوّر والتنمية والسلام لا يحصل إلا إذا كان هناك استقرار وأمن ولكن حينما يكون أمن البلد مُهدّداً فلا يمكن الدخول في عملية السلام خاصةً العدو الإسرائيلي ذو الشهيّة الواضحة على التوسّع في سوريا. الأردن رغم علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل نرى سموتريتش يتحدّث عن ضمّ الأردن، وأن الدولة الإسرائيلية يجب أن تضمّ لبنان وأجزاءً من سوريا والعراق ومصر والسعودية. أنا كمواطن لبناني أستمع إلى وزيرٍ في الحكومة يتفوّه بهذا الكلام كي أدخل في سلامٍ معه، السلام يقوم على الحقّ، أدخل في المفاوضات حين أنال حقوقي. ما هي حقوق إسرائيل؟ المسألة الفلسطينية لا ترتبط بلبنان فقط وإنما بالعالم العربي، وللأسف العرب منذ 1948 لم يتّفقوا على دبلوماسيةٍ واحدة ليفاوضوا معاً ولم يتّفقوا على حربٍ ليخوضوها معاً.
بيار أبي صعب: أستاذ كريم أسألك سؤالاً يتعلّق بتجربتك وذاكرتك السياسية، أنت مَمّن عاشوا أحداث 1982 وكنتَ شاهداً قريباً حيّاً، هل يمكننا المُقارنة بين ما حدث في 1982 مع ما يحصل اليوم؟ بالتأكيد هناك اختلافات جوهرية في الظروف السياسية في البلد ولكن كيف يمكننا المُقارنة بين الفترتين؟
كريم بقرادوني: في الأساس كنا في مفاوضات من دون تفاهمات عربية، مفاوضات من دون أهداف، الموضوع ليس أن ينسحب العدو الإسرائيلي من الجنوب فقط بل أن ينتشر الجيش اللبناني في كل الجنوب، حينها يصبح الجنوب اللبناني ممسوكاً من السلطة.
بيار أبي صعب: هذا هو اتفاق وقف إطلاق النار.
كريم بقرادوني: يجب أن نكون مع انتشار الجيش اللبناني اليوم في كل الجنوب وليس فقط انسحاب إسرائيل من بعض الأراضي التي احتلّتها كي ندخل في المفاوضات، نحن اليوم لا نريد أن نفاوض في ظلّ الاحتلال، وحتى إذا انسحبت إسرائيل فإن التفاوض سيكون مشروطاً. ثانياً لم يحصل أيّ تفاهم داخلي مُطلقاً استطاع الخارج خرقه، دائماً كان هناك خلاف داخلي يخترقه الخارج وخاصةً أميركا وإسرائيل. المطلب الأول أن نعي كدولةٍ شعباً وسلطةً أن وحدتنا هي بداية المقاومة وهي بداية مواجهة إسرائيل، يجب أن نكون أكثر استعداداً للمقاومة مسيحيين ومسلمين، المقاومة ليست حِكْراً على المسلمين الشيعة تحديداً وأنا كمسيحي أفاوض. كلام رئيس الجمهورية واضح حول التفاوض غير المباشر، هو يعلم أن إسرائيل لن تقبل ولن تقدّم أيّ شيء في اللامباشر، إسرائيل حين تقدّم شيئاً ستأخذ في مقابله أضعافاً، حين يشدّد رئيس الجمهورية على موضوع الجيش فهذه هي الخطوة الأولى المهمّة لأنه عسكري ويعرف قيمة الجيش في القتال وفي السلام، وبالتالي جوزيف عون لديه جيش ينفّذ الأوامر، جيش مدعوم وموجود خلافاً للاعتقاد السائد، لقد أطلق الجيش اللبناني النارعلى العدو الإسرائيلي ويهنّئونه على ذلك. =علينا إذاً أن نحقّق الوحدة الوطنية لنصنع كفاحنا المسلّح الوطني، يجب أن تكون هناك مقاومة وجيش لأنه حيث لا يقدر الجيش تقدر المقاومة، وحيث يقدر الجيش تتراجع المقاومة. يجب أن يدخل الجيش اللبناني إلى بعض الأماكن جنوباً والأماكن التي لا يستطيع دخولها تحلّ المقاومة محلّه، وأنا أعلم أن رئيس الجمهورية يُدرك هذه المُعطيات.
بيار أبي صعب: أستاذ عدنان منصور ما هي قراءتك الموازية أو المُتقاطِعة مع أستاذ كريم بقرادوني في موضوع مواقف الرئيس ودور الجيش والمقاومة؟
عدنان منصور: لا شكّ بأن رئيس الجمهورية يدرك حساسية الوضع في البلد ويعرف حيثيات الأمور والوضع الداخلي المُكوّنات اللبنانية كلها، هو يعرف أطماع إسرائيل ويعلم أيضاً صلابة الجيش اللبناني على الأرض، في المقابل يجب أن يكون هناك موقف لبناني موحَّد وللأسف هو غير موجود، الجنوب يُقْصَف يومياً، أنا لستُ إبن الجنوب ولكنني أشعر بأن بيتي قُصِف، وحين يُقْصَف بيت في جونية أو طرابلس وكأن بيتي قد قُصِف، فرنسا حينما كانت تحت الاحتلال النازي لم يكن إبن مارسيليا يفكّر بشكلٍ مختلف عن إبن باريس أو بوردو، علينا أن نبني بلدنا سوياً وأن يكون مصيرنا واحداً، إسرائيل لا تميّز بين طائفة وأخرى مُطلقاً ولا بين منطقة ومنطقة بل هي تبحث دائماً عن مصالحها التي هي فوق كل شيء. مَن يظنّ أن المفاوضات ستجلب السلام والرخاء والمنّ والسلوى هو واهِم. إسرائيل تبحث عن مصالحها وعن التوسّع الدائم. حينما احتلّت فلسطين في العام 1948 وكانت النيّة لاحتلال الجولان تحفّظ بن غوريون في ذلك الوقت، وكان مناحيم بيغن مع السيطرة على الجولان، قال نحن يهمّنا الآن دولة بلا أرض وليس أرضاً بلا دولة لأن الديموغرافيا تلعب دورها، العرب كانوا أكثر عدداً فقال لندع الجولان للجيل القادم وهذا ما حصل في العام 1967.
بيار أبي صعب: أستاذ كريم الطبيب والسياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي قال قبل يومين تعليقاً على قمّة شرم الشيخ أن السلام ليس له إلا وظيفة واحدة هي القضاء على القضية الفلسطينية. حضرتك ذكرتَ قليل أنه يجب حلّ قضية فلسطين كي تُحلّ الأمور الأخرى، ما هو تعليقك على موقف الدكتور البرغوثي الذي يتحدّث من رام الله عقر دار أوسلو؟
كريم بقرادوني: ما قاله هو توصيفٌ للمرض للوصول إلى علاجه، أنا لا أعرفه شخصياً ولكنني أمنحه القيمة الوطنية لأنه يتحدّث من موقعٍ وطني، عندما يكون هناك موٍقف وطني جامِع يتمّ الاتفاق وإنْ لم يكن هناك موقف وطني فلا اتفاق، ليت الجميع يعلّقون من ناحية وطنية.
بيار أبي صعب: سوف يأتي سفير أميركي جديد في المرحلة المقبلة، كيف ترى المستقبل؟ هل نحن ذاهبون إلى مواجهة أم تسوية؟ هل لبنان في دوّامة السلام أم على لبنان السلام؟
عدنان منصور: التسوية في لبنان تعني أن هناك مفاوضات من تحت الطاولة وسيكون لبنان هو الخاسِر فيها، إذا لم يَنَلْ حقوقه الكاملة من خلال الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية فلا يمكن الحديث عن سلام، ستكون مسألة مؤقّتة قابلة للانفجار في أيّ وقت.
بيار أبي صعب: شكراً. كلمة الختام لمحمود درويش "إنني عدتُ من الموت لأحيا، لأغنّي فدعيني أستعر صوتي من جرحٍ توهّج، وأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوْسَج، إنني مندوب جرحٍ لا يساوم، علّمتني ضربة الجلاّد أن أمشي على جرحي وأمشي ثم أمشي وأقاوم". شكراً لضيفينا كريم بقرادوني وعدنان منصور مع حفظ الألقاب، شكراً على المتابعة وإلى الأسبوع المقبل.