الحرب على إيران - من دون قفازات

عدوان أميركي مباشر على منشآت إيران النووية.... فوردو، نطنز، أصفهان... قصف بقاذفات B2 وصواريخ توماهوك! وتقارير استخباراتية تقول: "الدمار لم يكن كما أعلن ترامب". 15 سنة من التحضير الأميركي للعدوان ودراسة المواقع النووية الإيرانية، وإيران تردّ باتجاه أهمّ القواعد الأميركية في المنطقة... قاعدة العديد... فهل ما زالت واشنطن تتجنّب الحرب الشاملة مع إيران؟ وما هو مستوى تأثير الرأي العامّ الأميركي في قرارات الإدارة الأميركية؟ وكيف تعاملت دول الخليج مع لحظة العدوان الأميركي والردّ الإيراني؟

نص الحلقة

 

فيديو:

سلّم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي نظيره العُماني بكر البوسعيدي محاذير إيران ومواقفها بشأن المحادثات النووية.

 

محمد فرج: ليلة الثاني والعشرين من حزيران كانت مختلفة، فعلى الرغم من أن واشنطن كانت شريكًا في الحرب على إيران منذ اليوم الأول، خلعت هذه المرة القفّازات واعتدت مباشرة وبصراحة على المنشآت النووية الإيرانية.

 

فيديو:

بيان استهداف الولايات المتحدة للمنشآت النووية الإيرانية.

 

محمد فرج: في هذه الحلقة نفكّك خيوط العدوان الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية مع الأساتذة فؤاد يزدي أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، سكوت ريتر الكاتب والضابط السابق في البحرية الأمريكية، وليام لورنس أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بواشنطن، أنور روّاس الباحث في الإعلام والسياسة، يسري أبو شادي كبير مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرّية سابقًا.

 

وليام لورنس:

 

فؤاد يزدي:

 

محمد فرج: بعد العدوان الإسرائيلي بيوم واحد، نصيحة جاءت في صفحات معهد كارنيغي لدونالد ترامب: "لا تتورّط". يكتب جيمس أكتون مقالًا بعنوان: "الولايات المتحدة يجب أن لا تتدخّل في الصراع بين إيران وإسرائيل".

يقول الكاتب في هذا المقال: "نتنياهو برّر الهجوم بأن إيران أخذت خطوات غير مسبوقة خلال الشهور الماضية لتسليح برنامجها النووي، وهذا الزعم يتناقض مع تقرير مجتمع الاستخبارات الأمريكي في شهر آذار، والذي يقول إن إيران لا تبني قنبلة نووية، وإن توجيهات السيّد خامنئي بعدم امتلاك قنبلة نووية مازالت حاضرة، على الرغم من مطالبات داخل إيران بامتلاكها".

=يبني الكاتب فرضيته في ضرورة عدم التدخّل على مجموعة من النقاط:

أولًا: حتى لو دُمّرت فوردو، إيران قادرة على إعادة بناء برنامجها النووي.

ثانيًا: المعرفة النووية منتشرة بشكل واسع في إيران.

ثالثًا: قُدرات الولايات المتحدة أكبر من قُدرات إسرائيل، ولكن لا يوجد سبب للاعتقاد أنها تستطيع منع إيران من سلاح نووي إلى أجل غير مسمّى.

في الاستنتاج الأخير يقول الكاتب: "تستطيع الولايات المتحدة أن تختار عدم الانزلاق إلى هذا الصراع. إسرائيل تحرّكت ويجب أن تواجه العواقب وحدها".

نصيحة كارنيغي لم تصل إلى دونالد ترامب، وكان العدوان الأمريكي المباشر على المُنشآت النووية الإيرانية. فماذا عن التوقيت والأسباب الكامنة وراء كل ذلك؟

 

فؤاد يزدي:

 

سكوت ريتر:

 

محمد فرج: طال العدوان الأمريكي ثلاث منشآت نووية. الأولى هي فوردو، يصفها الغرب بمركز وقلب التحفّظات والشكوك في البرنامج النووي الإيراني، مع أنها كانت مفتوحة أيضًا لتفتيش الوكالة الدولية. منشأة نطنز تبعد 220 كيلومترًا إلى الجنوب الشرقي من العاصمة طهران، وكانت قد تعرّضت لعدوان إسرائيلي متكرّر.

منشأة أصفهان تقع على بُعد 350 كيلومترًا في اتجاه الجنوب الشرقي من طهران، وهي الأخرى تعرّضت للعدوان الإسرائيلي.

بحسب بيانات وزارة الدفاع الأمريكية، فقد كُلفت وكالة الحدّ من التهديدات الدفاعية "DTRA" بمهّمة دراسة المواقع النووية. بدأ التحضير للهجوم منذ 15 عامًا. غادرت قاذفات الـB-2 قاعدة وايتمان. الرجل الأبيض في بزوري. قُذِفت على المنشآت النووية 14 قذيفة من نوع GBU-57، التي تزن الواحدة منها 30000 باوند، أي 15 طنًا. رافقت القاذفات طائرات الـF-22 والـF-35 في الهجوم، وتمّ إطلاق 30 صاروخ توماهوك من الغوّاصات الأمريكية.

أظهرت صوَر الستلايت حالة منشأة فوردو قبل العدوان وبعده. مع أن تصريحات ترامب والإدارة الأمريكية أصرّت على اعتبار أن المنشآت دُمّرت بشكل كامل، وركّزت على استخدام مصطلح "الطَمْس"، إلا أن الجدل والجِدال بقي حاضرًا بشأن الأضرار.

نقلت وسائل إعلام عن تقرير لوكالة الاستخبارات "DIA" أن العدوان تسبّب في إعادة البرنامج النووي الإيراني شهورًا فقط. الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، بعد العدوان مباشرة، قالت: "من الواضح أن منشأة فوردو قد تضرّرت، ولكن تقدير حجم الضرر داخل قاعات تخصيب اليورانيوم لا يمكن التثبّت منه بشكل يقيني".

تابعت الحديث عن ضرورة القيام بإجراءات التحقّق، بما في ذلك من الـ400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب.

بين ادّعاءات ترامب في التدمير الكامل، وتقارير الوكالة المتحمّسة لاستكمال الضغط على إيران، وتقارير الاستخبارات الأمريكية التي تفنّد ادّعاءات ترامب، يرى البعض أن التصريحات الإيرانية بشأن حجم الأضرار فيها نسبة من الغموض، وقد يبدو ذلك طبيعيًّا تمامًا بعد العدوان على سياسة الشفافية النووية التي اتّبعتها إيران بشكلٍ دائم.

 

يسري أبو شادي: في اعتقادي لا، وأستطيع القول بالقَطْع لا. وكل تصريحات ترامب بصورة خاصة، وإسرائيل، الذين قالوا إنهم محوا البرنامج النووي الإيراني، وإسرائيل تقول: "حتى تُعيد إيران برنامجها النووي تحتاج لسنواتٍ طويلة لتعود"، أنا أقول إن هذا الكلام سطحي للغاية لأسباب بسيطة جدًّا:

لن أتحدّث بداية عن قوّة الضربة وحجمها، أو أنه هل المنشآت سليمة أم لا؟

لن أتحدّث بهذه. سأفترض جدلًا أن كل المُنشآت دُمّرت، لكن إيران أنتجت أكثر من 23000 وحدة تخصيب في الفترة الماضية، وطوّرت الصناعة بحيث هي لا تحتاج لأرقام كبيرة للـIR-1، وهو النوع الأول الضعيف لأجهزة الطرد المركزي. حاليًّا تنتج الـIR-6، وربما الـIR-8، الذي يساوي أكثر من عشر مرات، ربما، من قُدرة التخصيب للـIR-1.

إذًا لا يحتاجون لهذه الأعداد الضخمة من الأجهزة. العقلية الإيرانية لا تزال موجودة. العلماء ليسوا الـ20 أو الـ25 عالِمًا الذين قُتِلوا، هم مَن عليهم يتوقّف البرنامج. إيران عندها مئات العلماء، عندها آلاف المهندسين، ولديها فنّيون وعشرات المصانع.

 

فؤاد يزدي:

 

يسري أبو شادي: رأيي الشخصي، الـ500 كيلوغرام هذه نُقلت ما بين ليلة 10 حزيران إلى 13 حزيران. خلال هذين اليومين، المواد هذه نُقلت إلى أماكن آمنة لا يوجد مخلوق يعرفها. العشرة أطنان من اليورانيوم المخصّب بنسبة ما بين 2 إلى 20 بالمئة، الآخرون ممكن ليس كلهم. الفارق بين الإثنين أن اليورانيوم الـ60 بالمئة كان يوضع في أسطوانات صغيرة كأسطوانات الغاز، السهل نقلها، وهي ليست ثقيلة. بالحدّ الأقصى، وزن الأسطوانة 50 كيلو، قابلة للنقل. وليس صحيحًا أن الأقمار الصناعية قادرة على رؤيتها وكشفها، وربما لا ترصدها الأقمار الصناعية. لكن أتخيّل أن وحدات التخصيب التي ضُرِبت في نطنز السطحي — في نطنز مصنعان فوق الأرض وتحت الأرض — المصنع فوق الأرض متأكّد أنه ضُرِب ودُمّر. أصفهان التي تحتوي على مصانع في غاية الأهمية تنتج اليورانيوم الغازي الذي يذهب إلى نطنز وفوردو ليُخصّب، ضُرِبت بقوّة وعدّة مرات، وأعتقد أن هذه المصانع دُمّرت.

 

وليام لورنس:

 

سكوت ريتر:

 

يسري أبو شادي: فوردو كانت القصة التي ركّز عليها الإعلام الأمريكي بقوّة، لأنها كانت موجودة تحت الأرض، 100 متر تحت الأرض في جبل صخري شديد الصلابة. هي تنتج يورانيوم عالي التخصيب، وهذا الذي كان يقلق دائمًا الغرب. لكن هذا ليس المكان الوحيد. نطنز تحت الأرض أيضًا ينتج يورانيوم عالي التخصيب. هل إيران تركت هذه المواد تحت في ذلك العُمق وتركوها؟ أنا أشكّ في هذا. لكن هناك 3000 وحدة تخصيب موجودة في فوردو، وهي أقصى طاقة لها. وهذه، إن لم تكن قد دُمّرت، برأيي هي لم تُدمَّر بالكامل. بل ما تمّ تدميره — والأمريكي فَرِح به جدًّا — الممرّات والفتحات المؤدّية لغرف التخصيب الموجودة تحت الأرض أفقيًّا. لكن أنا أشكّ أن هذه الضربات الرأسية أنها تصل أفقيًّا، لأنه لو دقّق واحد بالخريطة المتعلّقة بمصانع التخصيب في فوردو، سيجد أنها منتشرة أفقيًّا تحت الأرض على عمق مئة متر. فلا أعتقد أن القنابل تصل أفقيًّا. هذه ستصل رأسيًّا. جائز جدًّا أن تكون الممرّات قد دُمّرت.

 

فيديو:

الصحافي الأمريكي بوب وودوارد:

 

محمد فرج: بوب وودوارد صحافي أمريكي معروف، اهتم كثيرًا بدراسة شخصية ترامب، أصدر عنه كتابين هما "الخوف" و"الحرب".

في كتابه "الحرب" يقول: أولًا، ترامب منشغل دائمًا بالهَوَر القوي والقاسي؛ والثاني، حتى الصفقات الناجحة تحرّكها الغريزة؛ وثالثًا، يقول ترامب: "أسوأ جزء في البرامج التلفزيونية هو أنهم يضعون المساحيق على كامل الوجه".

في خطابه بعد العدوان على المنشآت النووية الإيرانية، قرّر ترامب أن يملأ وجه العدوان كاملاً بالمكياج، وحرّكته الغريزة والرغبة في المشهد القاسي والقوي في صياغة كل كلمة وكل حركة في لغة الجسد.

 

بوب وودوارد:

 

فيديو:

 

محمد فرج: خبراء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قالوا إن هذا العدوان يتناقض مع قواعد النظام الدولي المُقرّة منذ عام 1945، والقائمة على منع استخدام القوّة العسكرية العدوانية، واحترام سيادة الدول وعدم التدخّل فيها.

إن القادة العسكريين والسياسيين الأمريكيين أمام مساءلة بشأن جرائم دولية. لا حاجة إلى الكثير من الجدل القانوني لتصنيف طبيعة العدوان، ولكن علاقات القوّة تحكم النظام الدولي أكثر من بنود ميثاق الأمم المتحدة. ليس أدلّ على ذلك من عدم تعرّض الولايات المتحدة للمُساءلة القانونية الصارمة، وعدم تحرّك الوكالة الدولية للطاقة الذرّية بشأن الخطر الذي أحدثه العدوان على منشآت نووية.

 

يسري أبو شادي: أنا سأستخدم كلمة، وقد تكون قوية وربما جارحة: موقف الوكالة ومجلس الأمن والعالم بأسره في هذا الموضوع، في ضرب المنشآت النووية الإيرانية من دون أية إدانة، هو مهزلة كبرى. كالمهزلة الحاصلة يوميًّا في غزة من إبادة وتجويع. مهزلة، لا يوجد أكبر منها مهزلة على مستوى الإنسانية كلها. نفس الكلام اليوم، هم موقّعون على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والمفروض تحت نظام الضمانات للوكالة التي تفتّش فيها وتحميها، المفروض أنها تعطي ضمانة. وإلا، أنا أحضرهم لماذا؟

حتى تقول لي إنني أستخدم المنشآت النووية هذه لأغراض سلمية، ويزور المفتّشون بصورة حقيقية. أنت لم ترَ أيّ أمر أنا مخالِف فيه. عندما يكون لديّ عشرة أطنان يورانيوم مخصّب، لا تجد منه كيلوغراماً واحداً ناقصاً. تأتي على مايكروغرام وأمور تافهة وتشكّك بها وتحوّلها إلى اتّهام غير مقبول.

أنت أصلاً، يا وكالة، لم تصدري قرارًا واحدًا بالإدانة. أنت تتحدّث عن أنك تريد أن تفتّش. الأمريكي والإسرائيلي يقولان إنهما دمّرا البرنامج النووي الإيراني مئة بالمئة. خلاص! خذ بالكلام الأمريكي والإسرائيلي، وقل إن البرنامج النووي الإيراني وجميع المواد التي يضمّها والمعدّات التابعة له دُمِّرَت مئة بالمئة.

أنت تريد أن تبحث عن ماذا؟

الحقيقة كأننا نلعب لعبة مع بعض. أنت، بمعنى الأمريكان والإسرائيليين الذين لا علاقة لهم بالإعلام، ويعملون من تحت، بالإعلام قد يخرج ترامب ويقول لك ونتنياهو: "نحن دمّرنا"، لكن الحقيقة هم لا يعرفون إن كانوا قد دمّروا بالفعل أم لا، ولا يعرفون مصير المواد النووية وإلى أين أُخِذَت.

إذن، ما هي الأداة التي يمكنهم استخدامها؟ الوكالة: أنت يا إيران موقّعة على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، يجب أن نبلغ هذه المواد: ما هو مصيرها؟ وأين أخذتموها؟ أو تدعوني أفتّش وأرى إنْ كانت بالفعل قد دُمّرت أم لا.

طبعًا إيران لن تنطلي عليها هذه اللعبة. استخلصت الدرس. اليوم، الناس الذين قتلوا العلماء النوويين والمنشآت التي ضُرِبَت بدقّة شديدة جدًّا... الخ. لن تقول لهم: "أنا نقلتها إلى أماكن أخرى وتعالوا ابحثوا عنها".

 

فاصل:

 

محمد فرج: من ضمن الأبعاد المتشعّبة للعدوان الأمريكي على إيران، خصَّصت النيويورك تايمز تقريرًا عن دول الخليج بعنوان: "قلق الخليج بعد الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية"، تُجْمل فيه مجموعة من النقاط:

أولًا: أدانت دول الخليج العدوان، ولكنها لم تستمر في انتقاد الحليف الرئيسي، أي واشنطن.

ثانيًا: أدانت قطر العدوان من دون أن تسمّي الولايات المتحدة، كما كانت تفعل بإدانة إسرائيل بالإسم. كذلك فعلت الإمارات والكويت.

ثالثًا: حرس الثورة في إيران يعتبر القواعد العسكرية الأمريكية نقطة ضعف لا نقطة قوّة.

رابعًا: طلبت البحرين من مواطنيها العمل من المنازل.

خامسًا: خلال السنوات الماضية، حاولت السعودية والإمارات تنويع مصادر السلاح، ولكن بقي اعتمادهما على الولايات المتحدة عاليًا جدًّا، وبالتوازي تعزّزت خطوطهما الدبلوماسية مع إيران.

دول الخليج تقع في وسط جغرافيا الحرب، ولذلك ليس من السهل أن تكون بعيدة عن ضجيجها وصَخْبها. فأيّ تعامل دقيق يمكن نَسْجه هنا؟

 

أنور رواس: هؤلاء، مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لها مواقف، والمواقف كل دولة لها على حِدَة. بالتالي، الأمر المعلن من قِبَل الدول الخليجية، وفي نفس الوقت الإعلان الجماعي من خلال مجلس التعاون — الأمانة العامة — في استنكار ورفض للعدوان على إيران. إيران دولة جارة. الجغرافيا تحكمنا وترتّبنا مع بعضنا البعض، وتحديدًا نحن في عُمان لدينا قواعد مشتركة خاصة في ما يتعلّق بمضيق هرمز نتشارك فيه. وفي نفس الوقت علاقات =ودّية، علاقات ندّية، علاقات متينة، علاقات ليست وليدة اليوم، وإنما ضارِبة في أعماق التاريخ.

 

فؤاد يزدي:

 

أنور رواس: الأمريكان لا يتعاملون مع الخليج أو أية دولة إلا من خلال مصالحهم. وبالتالي، المصلحة هي التي تفرض هذه العلاقة. وعلى دول الخليج أن تُعيد حساباتها، لأنه مهما كان الأمر، الولايات المتحدة لن تلتفت إليهم في حال وجود مصلحة أقوى من هذه المنطقة. وإن كانوا في الخليج لا يزالوا يعيشون على مقام وجود النفط والغاز، وبالتالي هذه العلاقة يجب أن تكون مستمرة، لكن لا تأمن للأمريكان. شِمَتْهم الغدر، وشِمَتْهم أيضًا التعالي والاستكبار. وبالتالي، هناك اختلاف بين الموقف الإيراني والموقف الأمريكي، ولا يمكن أن نضعهما مع بعض، لأن الخليج وإيران دول متقارِبة جارة، وبالتالي مصالحها أقوى من مصلحة دول الخليج. وإيران مصالحها يُفترض أن تكون في المرتبة الأولى، عوضًا عن علاقة أو المصالح الخليجية الأمريكية. بالتالي، لا أرى إلا أن تقوم هذه الدول بإعادة حساباتها، وبالجلوس معًا، وبالتحاور، وبالدبلوماسية لبناء توجّه جديد في هذه المنطقة.

كفى استئذانًا من الغرب ومن واشنطن على هذه المنطقة والتحكّم فيها وإعادة الاستعمار وفرضه.

 

فيديو:

دونالد ترامب.

 

محمد فرج: كان ذلك جزءًا من خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قاعدة العديد في الخامس عشر من أيار عام 2025، قبل نحو شهر من تعرّضها للقصف الصاروخي الإيراني ردًّا على العدوان الأمريكي. تعتبر العديد درّة تاج القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة. لماذا؟

هي مركز العمليات الجوية المُدمّجة "CAOC" للقيادة الوسطى للقوات الأمريكية "CENTCOM"، التي تغطي 21 دولة من شمال إفريقيا إلى غرب آسيا ووسطها وجنوبها. تؤمّن القاعدة مهمّات السرب الجوّي 379 القتالي والاستطلاعي، ومن ذلك مهمات في سوريا والعراق.

وتؤمّن مهمّات السرب 340 للتزوّد بالوقود وأنظمة رادارية متقدّمة، وكذلك مهمّات الصيانة.

تقول نيويورك تايمز إن 8000 جندي أمريكي كانوا في القاعدة أثناء فترة الحرب إجمالًا.

عام 2020، عندما ردّت إيران على قصف قاعدة عين الأسد، كانت المرة الأولى التي تُقْصَف فيها قاعدة عسكرية أمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. تحدّد إيران السجّل مجددًّا بإضافة قاعدة العديد إلى القائمة.

في كل الأحوال، جَدَل الردّ لا يختلف كثيرًا عن جَدَل العدوان نفسه. ومُجدّدًا، ما هو حجم الضرر الحقيقي؟ وما هو معيار نجاح الضربة؟

 

فؤاد يزدي:

 

وليام لورنس:

 

سكوت ريتر:

 

فؤاد يزدي:

 

محمد فرج: يعود توزيع الصلاحيات بين الولايات المتحدة الأمريكية وقطر في قاعدة العديد إلى مجموعة من الأوراق والاتفاقيات، منها اتفاقية متعلّقة بآلية الاحتفاظ بالمعلومات العسكرية، ومنها البيان الاستراتيجي المشترك عام 2020، الذي انبثق منه أيضًا اتفاق العمليات الجوية "ATC — Air Traffic Control". في كل الأحوال، الردّ الإيراني استهدف قاعدة العديد العسكرية، ولم يستهدف قطر.

 

أنور رواس: قاعدة العديد أكبر قاعدة في منطقة الخليج، وفيها أسراب من الطائرات، وفيها أيضًا قواعد إلكترونية وحسّاسة وتجسّس أيضًا، ومراقبة الحركة الجوية في منطقة الخليج على مدار الساعة. وبالتالي استخدامها — وقد تكون إيران اكتشفت هذا الأمر ولديها ما تثبته للعالم — بأن هناك غرفة عمليات تُدار من هذه القاعدة، في العديد.

 

فؤاد يزدي:

 

محمد فرج: "السلام بالقوّة" هو إجمالًا عنوان قديم، يربطه عدد من الباحثين السياسيين بالسلام الروماني الذي استمر منذ عهد الإمبراطور أغسطس إلى الإمبراطور ماركوس أوريليوس. المبدأ واضح: عندما يمتلك طرف ما قوّة لا يمكن مواجهتها أو ردّها، يصبح الخيار الأكثر تناسقًا للطرف الآخر هو الانصياع الكامل، فيعمّ السلام والهدوء.

إذًا نحن لا نتحدّث هنا عن سلام، بقدر ما نتحدّث عن صيغة إخضاع.

الرؤساء الأمريكيون استخدموا هذا التعبير في أكثر من مناسبة. رونالد ريغان في الثمانينات مثلاً اعتبر أن "حرب النجوم" والتصعيد الكبير ضدّ الاتحاد السوفياتي هما اللذان سينهيان الحرب الباردة. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، اكتسب الشعار زُخمًا في عدد من الأوساط بأن هذا النظام العالمي الجديد فيه قُطب واحد يفعل ما يريد ويُقرّر ما يريد، وبالتالي سوف يتحقّق السلام العالمي ببساطة لأنه لا يوجد طرف في العالم سيخوض مواجهة معه. وهذا ما لم يحدث طبعًا.

ترامب ليس استثناءً في هذا المسار والشعار وآلية التفكير، ولكن إيران هي استثناء، باستعادة الهدوء بالقوّة بمنطق مختلف.

المنطق ببساطة أن جنون الحرب لُجِمَ ونيرانه حُدَّت فقط بسبب القُدرة الإيرانية على الردّ.

في كل الأحوال، إذا كان ترامب قد فشل في نحت مصطلح جديد بمعنى جديد، فقد فشل أيضًا في أن يُقْنِع العالم بأن العدوان الأمريكي على إيران هو الذي أوقف الحرب.

 

فؤاد يزدي:

 

محمد فرج: الرأي العام الأمريكي هو جزء أيضًا من العوامل التي تؤثّر في قدرة الإدارة الأمريكية على الاستمرار في الحرب من عدمها. وربما يمكن تقسيم هذا الرأي على ثلاث مراحل:

قبل الحرب، وعندها كان الجمهور الأمريكي يتخيّل طبيعة الحرب مع إيران؛ وخلال الحرب، وعندها شاهد الجمهور الأمريكي القُدرات الإيرانية في وضعية جديدة، ومشاهِد أكثر كثافة؛ وما بعد الحرب، عندما يعود المخيال الأمريكي إلى التفكير في سؤال واحد: ماذا لو عادت الحرب؟ وماذا لو اتّسعت؟

قبل الحرب، أشارت استطلاعات الرأي إلى معارضة قوية للتدخّل الأمريكي. من ذلك استطلاع مُشترك للرأي بين "يوجوف" و"ذا إيكونوميست" يقول:

16 في المئة من الأمريكيين فقط يوافقون على تدخّل عسكري أمريكي في إيران، 60 في المئة يقولون يجب عدم التدخّل، و24 في المئة غير متأكّدين. 56 في المئة يقولون يجب التفاوض مع إيران، 18 في المئة يقولون يجب عدم التفاوض.

عادةً، عندما تبدأ واشنطن بالحرب، في الأيام الأولى تجد نِسَب الدعم ترتفع بحدّة في استطلاعات الرأي. الماكينة الإعلامية تعمل، تجنّد العواطف، تثير المخاوف، تعمل ضمن آلية تحشيديّة عنوانها "الالتفاف حول العلم الأمريكي".

في الهجوم على إيران، لم يحدث ذلك كما حدث في العراق وأفغانستان وحتى في يوغوسلافيا. الدعم الأوّلي لم يتجاوز 35 في المئة. تشظّى في قاعدة ماغا والحزب الجمهوري، معارضة من الحزب الديمقراطي وأيضًا من المستقلين.

 

وليام لورنس:

 

محمد فرج: قد يبدو الاستفسار عن التعويضات أمرًا مُستغربًا، فواشنطن تقصف وتحتلّ وتهاجم من دون أن يسائلها القانون الدولي في شيء. إيران بنت سياستها الخارجية على الندّية وعلى التفسيرات الواقعية للقانون الدولي، لا بناءً على تجارب الآخرين. وهنا يكمُن عنصر قوّتها.

لذلك لا غرابة في فتح باب الحديث عن هذه التعويضات.

 

فؤاد يزدي:

 

سكوت ريتر:

 

محمد فرج: دخلت أمريكا مشهد الحرب على إيران من دون تورية. راهنت إسرائيل، انتشى الغرب، قلق الشرق. لكن مفاتيح الحلّ لم تكن إلا في مكان واحد: في طهران.