المرجع جواد الخالصي
كيف ينظر المرجع الخالصي إلى العملية الانتخابية في العراق؟ وماذا يقول في شروط المقاطعة والمشاركة؟ كيف يرى دور العراق وعلاقاته بالمنطقة؟ وأيُّ حدودٍ للعامل الديني في السياسة والانتخابات؟
نص الحلقة
أحمد المشهداني: رفعت اللاءات منذ ما قبل الألفية الجديدة، تبدّلت المراحل في العراق والمنطقة وتناوب عليها اللاعبون، لكن اللاءات لم تفارِق خطابه: لا للاحتلال، لا للمُحاصصة، ولا للمشاركة في مسيرة سياسية يراها من نِتاج خارجي دولي.
هو ليس وجهاً جديداً في الحياة العراقية، لكنه يحمل نظرة مختلفة انطلاقاً من موقعه وموقفه، هو مرجع لا يعرّف نفسه من خلال عمامته البيضاء، ولا يتحرّك داخل حدودها، بل يحمل خطاباً وحدوياً يرى أن العراق لا يُبنى إلا بتجاوز الانقسام والانطلاق نحو شراكة لا تُقصي أحداً ولا تُدار من الخارج.
فكيف ينظر الشيخ جواد الخالصي إلى المشهد العراقي على بُعد أسابيع قليلة من سادس استحقاق برلماني بعد الاحتلال الأمريكي؟
أية رؤية للعملية السياسية وأساليب الإصلاح، وما البدائل الممكنة في زمن التحوّلات الإقليمية والدولية الجارِفة؟
أهلاً بكم مجدّداً مشاهدينا إلى هذا الحوار الخاص مع المرجع الشيخ جواد الخالصي والذي نبثّه على شاشتي الميادين والميادين بلاس.
أهلاً بك سماحة الشيخ؟
جواد الخالصي: أهلاً بكم وشكراً لكم والسلام عليكم.
أحمد المشهداني: وعليكم السلام ورحمة الله، سماحة الشيخ، أنت عاصَرْت العملية السياسية وكنت شاهداً على الاحتلال الأمريكي وتشكيل الحكومات من 2005 إلى هذه الفترة، كيف تنظر وترى العراق بعد هذه التجارب؟ تفضّل.
جواد الخالصي: بسم الله الرحمن الرحيم. موضوع العراق وأهمية العمل المركزي في هذا البلد المركزي يتأتّى من تأثّر العراق بالأجواء المحيطة به باعتباره جزءاً من الأمّة، وتأثُر باقي مناطق الأمّة بما يجري في العراق. ولعلّ السبب أن العراق في حال ارتكاز خاص بين أجنحة الأمّة العربية والأجنحة الإسلامية غير العربية، كما أن الشعب العراقي خليط من القوميات الإسلامية المتعدّدة، ولهذا كان الحَدَث العراقي خطيراً ومؤثّراً في كل مكان. وما جرى في العراق ألقى بظلاله على كثير من الأحداث التي جاءت بعده كما هو تأثّر بالأحداث التي جرت قبله.
نحن لا نرى شيئاً مميّزاً بعد هذه الفترة الطويلة إلا في نقطة مركزية واحدة، وهي أن العراقيين بأغلبيّتهم اكتشفوا أن الدعوة إلى المُحاصّصة، إلى الصراع الطائفي، إلى التكتّلات الطائفية، إلى البرامج الانتخابية الطائفية، إلى القوائم الطائفية، هذه الدعوة ما عادت تُجدي، ولا يمكن لأحد من العراقيين أن يتقبّلها وأن يقتنع بها. وهذا هو سبب العزوف الكبير عن المشاركة في الانتخابات أو العملية السياسية بشكلٍ عام، خصوصاً ما عُرِف في الدورة السابقة، وما يتوقّعه البعض أو يخاف منه ويخشاه في الدورة الحالية.
لكن مع ذلك جرت استعادة لنقاطٍ سابقة، وهي محاولة إثارة الطائفية من جديد أو شدّ العَصَب الطائفي. وهذا أمر خطير، وأنا أدعو أبناء العراق خصوصاً وأبناء الأمّة أن ينتبهوا إلى خطورة هذه النقطة وعدم الرجوع إليها والتأثّر بها، مع قناعتنا أن الأغلبية الساحقة من العراقيين قد اكتشفوها وأعرضوا عنها.
أحمد المشهداني: إذاً سماحة الشيخ، لم تنجح القوى السياسية في مهمّة الإصلاح والعمل على دعم النظام الديمقراطي برأيك؟
جواد الخالصي: أكيد أن القوى السياسية التي جاءت ضمن العملية السياسية التي فرضها المحتلّ في الحقيقة لم تتمكّن من استغلال الفرصة لإحداث تغيير لصالح الشعب العراقي، بل هي ساقت وانسجمت مع الأطروحة التي أرادها المحتلّون، فلم تجمع كلمة العراقيين، ولم توحّد صفوفهم على برنامج موحّد مشترك، ولم تعمل على إيجاد صيغة عامة ينطلق منها الناس.
كما قال أحد السياسيين الكرد البارزين وهو رجل صريح، لو بدأنا كلنا من منطلق المصلحة العامة للشعب العراقي لتمكّنا من تحقيق مصالح الشعب ومصالح مكوّنات هذا الشعب، لكن من خلال ادّعاء أننا نعمل من أجل المُكوّنات، ضربنا مصالح المُكوّنات وخسرنا طبعاً مصالح الشعب بشكل عام.
وهذه قضية خطيرة جداً، وانعكست هذه القضية، وهذا أمر يجب أن يلتفت إليه الجميع: أن القوى التي كانت تدّعي أنها دخلت المعركة من أجل المُكوّنات العراقية الطائفية والعِرقية هي أيضاً انقسمت في ما بينها وأصبحت تتصارع على القوائم.
لذلك نفس الشخصية الكردية عندها كلمة مهمّة يضيفها للكلمة السابقة: "لم تعد هنالك قضية إسمها القضية الكردية، إنما هي مصالح وفئات وجماعات وأحزاب وتكتلات وتنافس على الغنائم".
هذا الأمر لا يمسّ الكرد فقط، أنا لا أدري لماذا بدأت به من الجانب الكردي، لأن شخصيّته الصريحة قد تحدّثت بوضوح، لكن هذا ينطبق أيضاً على العرب شيعتهم وسنّتهم.
ولذلك أنا قلت في خطبة الجمعة الفائتة كلمة بسيطة: إذا كانوا يبحثون عن المُكوّنات، فلماذا لا يتحدّون ضمن هذه المُكوّنات حتى تكون عندنا كتل واضحة تستطيع أن تتفاهم بشكلٍ أقرب وأصحّ فيما لو أرادوا أن يتفاهموا بالشكل الصحيح؟
لهذا فشلت القوى السياسية للأسف الشديد، بما فيها قوى الحركة الإسلامية، لأنها قبلت أن تجعل رهانها أو تجعل مسيرتها ضمن المشروع الذي جاء به الآخر، والآخر ليس موالياً وليس مُحبّاً وليس نظيف الفضل كما يقال.
أحمد المشهداني: سماحة الشيخ، البعض يقول بأن سماحة الخالصي لديه مواقف حادّة من الطبقة السياسية، ثمة مَن يردّ على سماحتكم بالقول إن تجربة الحُكم لا تزال بسيطة وتجربة قصيرة، كيف تردّ سماحة الشيخ؟
جواد الخالصي: أولاً، 25 سنة أو 23 سنة ليست قصيرة، مدّة طويلة كان يمكن أن يحصل فيها كثير من التغيير لصالح العراق ولإنقاذ العراق من مخلّفات فترة الاستبداد الطاغية التي عصفت بنا وعصفت ببلدنا.
ثانياً، لم يقدّم البدلاء شيئاً يجعل ما جرى في ما قبل الاحتلال شيئاً مُدانًا وواضحاً - وهو مُدان وواضح - لكن الناس انشغلوا بالفترة الحالية حتى دفع البعض - وهم مخطئون - إلى تمجيد الفترات الماضية.
المواقف الحادّة ليس لنا مواقف حادّة، لأننا نحن نتحدّث ببساطة وبوضوح وبكلام مفهوم، ليس لنا فيه تشدّد مع أحد، كما أننا لا نهاجم ولا نخون كما يُقال.
نعم، هنالك خَوَنة جاؤوا مع مشروع الاحتلال وهم يفتخرون =بذلك. مَن يأتيك ويقول إن الكيان الصهيوني كيان ناجح ويجب أن نتفاهم معه ونعمل معه، هذا هو جزء من مشروع الاحتلال، مشروع العملية السياسية، وإن كانوا قد فشلوا لأنهم انكشفوا.
لكن هنالك مَن لا يقول هذا، يقول: نحن نلتزم بالمواقف الوطنية، ما هي الخطوات العملية التي تمّت في ظلّ العملية السياسية لتأكيد صحّة المواقف الوطنية التي يحتاجها العراقيون؟
أبسط شيء: هل تمكّنا من مكافحة الفساد ووقف الهدر في المال العام الذي يصيب شريحة كبيرة من العراقيين بالفقر والحاجة والعجز عن المُعالجة وعن إيجاد الظروف المعيشية الطبيعية؟
مَن الذي يمنع من ذلك؟ هذه نقطة بديهية يتّفق عليها الجميع. العراق وفي دوائر أو في مُتدرّجات الفساد العالمي من الدول المُدانة والمعروفة بذلك مع الأسف الشديد.
مَن الذي يمنع من إعمار المناطق التي لم تكن فيها عمليات عسكرية، كمناطق الجنوب مثلاً؟ هذا أقوله لمّن يتحدّثون عن الطائفية أحياناً أو أننا نمثّل المُكوّن الشيعي.
مناطق الجنوب، ما الذي حصّلته من هذه التغييرات التي رأيناها ونراها وكلام طويل الردّ علينا؟
نعم، يقولون: أنتم لا تكونون لينين. هذا الكلام يُقال على كل أحد، كل مُعترض في العالم يُقال له هذا الكلام، لأنهم يريدون منه أن يكون خاضعاً أو منسجماً للطرح الآخر.
ونحن لسنا بمُتعصّبين لعدم القبول، وإنما نقول: الطرح الآخر، ماذا يخدم؟ ماذا يقدّم؟ ماذا يفعل؟
فإذا كانت هذه هي النتائج - النتائج سلبية جداً مع الأسف الشديد - حتى ابْيَضّت وجوه الحكّام الظالمين، وهي لا تبيّض. أنا لا أقول إن حكومات الظالمين، لكن سنحت فرصة بسبب هذه الأخطاء؟
أحمد المشهداني: سماحة الشيخ، مَن هي الأطراف التي تريد أن تكون للشيخ جواد الخالصي هي أكثر انسجاماً؟
جواد الخالصي: لم أفهم السؤال، ما المقصود منه.
أحمد المشهداني: ذكرت قبل قليل أن هناك أطرافاً سياسية تريد منك شخصياً أنك تنسجم مع العملية السياسية، مَن هي هذه الأطراف سماحة الشيخ؟
جواد الخالصي: كثيرون، أصدقاؤنا القدامى وأعداؤنا الجُدُد وأصدقاء الأعداء كثيرون يقولون: أنتم مفروض أن لا تعتذروا. حتى إن أحد الأشخاص وهو من إخوة أحد رؤساء الوزراء الذين جاؤوا بعد 2003 كان غاضباً ويقول: لماذا أنتم تعترضون وأنتم ماذا تمثّلون؟ خصوصاً وأن الذين شاركوا في العملية السياسية أناس معروفون وبدأوا يجعلون القائمة. نحن قلنا لهم: نحن مواطنون عراقيون، يحقّ لنا أن نعترض بهذا الوصف البسيط، ليس أكثر من ذلك. لأن تحدّث عن مرجعية دينية وتاريخية وموقف سياسي مميّز، هذا كله لا يهمّنا الآن. يهمّنا أن أنا مواطن عراقي يحقّ لي أن أقول إن هذا صحّ وهذا خطأ.
نعم، يحقّ لي. هل الذي جرى فيه أخطاء؟ نعم، الكل يقولون فيه أخطاء، وهذا إقراراً أقرّوا: نحن فشلنا، نحن لا نستطيع أن نقوم بشيء في ظلّ السيطرة الأمريكية.
هذه مسائل خطيرة جداً، وقال بعضهم: نحن أسأنا إلى إسلامنا، إلى تاريخنا، إلى حركاتنا. إلى هذا الأمر، إذا كانوا قد قالوا هذا بعد حين، نحن قلناه قبل أن نقع فيه، لذلك نشكر الله تعالى أنه نزّهنا عن ذلك وأبعدنا عن الوقوع فيه.
هذه الجهات كثيرة جاءت. إذا أردنا أن نتحدّث عن الأمريكيين أنفسهم، فإنهم بذلوا جهوداً كبيرة لكي نشارك في هذه الحفلات أو في هذه المشاريع التي جاؤوا بها.
أحمد المشهداني: سأتحدّث عن الجانب الأمريكي سماحة الشيخ؟
جواد الخالصي: منذ أن كنا خارج العراق في سوريا، يوم كنا...
أحمد المشهداني: عذراً على المقاطعة، كيف تنظر للعملية الانتخابية المُرتقبة في الحادي عشر من الشهر المقبل في ظلّ دعوات البعض للمُقاطعة؟
جواد الخالصي: الجانب الأمريكي...
أحمد المشهداني: سنأتي إلى الجانب الأمريكي والتدخّلات الأمريكية في العراق وفي المنطقة سماحة الشيخ؟
جواد الخالصي: نعم، سأجيب على هذا السؤال مع ملاحظة أن الأمريكان بأنفسهم أرسلوا مراراً وتكراراً إلينا وإلى غيرنا: اجتمعوا، تعالوا، شاركوا، خذوا حصّتكم من هذا المشروع الذي سمّوه مشروع التحرير.
ونحن قلنا: إنه ليس من الصحيح أن تأتي أمريكا لتقوم هي بالتحرير، هذا تدخّل خارجي خطير، وأمريكا ليست منظّمة إنسانية تقوم بتحرير الشعوب، كما رأيناها في غزّة.
والآن جاء الرئيس الأمريكي إلى شرم الشيخ ليتحدّث عن السلام والديمقراطية، وهو الذي دمّر غزّة ودمّر لبنان ويدمّر اليمن ويفعل ما يفعل، ويشنّ الحرب على إيران ويهدّد بالقتل، ويطالب بجائزة نوبل للسلام!
قضية عجيبة غريبة، والأغرب هو تصفيق الحكّام أو التابعين. تصفيق هؤلاء التابعين أمر مؤلم جداً ومزعِج جداً، وهذا ما يجري عندنا في العراق أيضاً.
حتى القوى التي كان من المفروض أن تكون ضدّ المشروع الأمريكي أو كانت هي فعلاً ضدّه، كثير منهم بدأوا ينسجمون ويتابعون ويذهبون ويجاملون ويصفّقون أيضاً في بعض الأحيان.
فالمشروع الأمريكي الذي جاء إلى المنطقة منذ احتلال العراق وقبل احتلال العراق هو أيضاً موجود، هو مشروع هيمنة وتسلّط.
فلا يمكن أن ينسجم أحد ممّن يريدون مصلحة الشعب العراقي والثبات على ثوابت الوطنية كما هو معلوم، لا يمكن أن ينسجموا مع هذا المشروع.
لذلك نحن رفضنا هذه العروض وما زلنا نرفضها، والآن الذين تورّطوا في هذا المشروع يقولون: نحن أصبحنا في أزمة لا نستطيع أن نخرج منها.
وجواباً على سؤالك المهم الذي تفضّلت به عن الانتخابات القادمة: رأينا لم يتغيّر في الانتخابات. الانتخابات لا تستطيع بمجموعها أن تفرز حالة تغييرية لمصلحة الشعب العراقي، لأنها سُبِكَت بكيفية أو صُنِعَت بكيفية بحيث أنه لا تستطيع أن تخرج منها بنسبة من المؤثّرين تقترب من الأغلبية أو أغلبية.
أولاً، قسّموها طائفياً. هذه قضية السنّة والشيعة والأكراد قضية معروفة. الشيعة تقسّموا، السنّة تقسموا، الأكراد تقسّموا.
بعد ذلك، أين هم العرب؟ لماذا شيعة وسنّة وأكراد؟ لو نقول =عرباً وكرداً وتركماناً، هذا تقسيم قومي فيه واقعية، أو نقول مثلاً شيعة وسنّة، الكرد أيضاً سنذة وشيعة. لكن هم فعلوها هكذا لكي لا يسمحوا بإيجاد تكتّل وطني واضح. نحن كنا ندعو منذ البداية إلى إيجاد تكتّل وطني واضح.
قلنا كلمتين، أرجو من الإخوة أن يتنبّهوا لها، وإن كان البرنامج يسمح.
الكلمة الأولى: لا يمكن أن ندخل في انتخاباتٍ في ظلّ الاحتلال، لأن الاحتلال هو الذي يتحكّم فيها، ولا يخرج من صناديق الاقتراع شيء يزعِج الاحتلال.
سيخرج من صناديق الاقتراع ما يُرضي المحتلّين، وهذا ما ثبت إلى اليوم، وهو ما سيجري في المرحلة القادمة في الانتخابات القادمة.
الأمر الثاني المهم: إذا كان ولا بدّ من الدخول في العملية السياسية وفي الانتخابات، فلماذا ندخل مُتفرّقين؟ فلنشكّل كتلة وطنية واحدة فيها الشيعة والسنّة، فيها العرب والكرد.
وهذا ما طرحناه على الذين أرادوا الدخول في العملية السياسية قبل أكثر من عشرين سنة، هذا الكلام.
وحتى الذين لم يدخلوا ثم أرادوا الدخول كالتيّار الصدري، قلنا لهم هذا الكلام: إذا دخلتم فادخلوا كتلة واحدة تشمل العراقيين وتكون قوّة وطنية في مقابل القوى التي ترتبط بالمشاريع الأخرى.
والقائد الكردي والسياسي الكردي الذي يبدو أنني محظوظ بالاستشهاد به كثيراً في هذه الليلة قال: لو نجحت هذه الخطة لكانت هنالك أغلبيّة تستطيع أن تتحكّم بالقرار العراقي، وسيكون قراراً وطنياً واضحاً وبيّناً.
لكنه فُسِّر تفسيراً خاطئاً، قالوا سيكون هذا ضدّ الكرد، فأجبناهم بالعكس تماماً: سيكون هذا لمصلحة الشعب الكردي كما هو لمصلحة العرب والتركمان وبقية أبناء العراق.
فلا يوجد شيء في صناديق الاقتراع يمكن أن يُغيّر الحالة، وهذه القضية جرّبناها في ست محاولات. جرّبها الناس.
نحن قرارنا كان واضحاً في عدم المشاركة إلا في قانون عراقي، وفي هيئة معروفة نزيهة، وفي ظلّ قضاء عراقي سليم، حتى يمكن أن تخرج النتائج بما ينفع شعب العراق وبما ينفع المنطقة بشكلٍ عام.
أحمد المشهداني: سماحة الشيخ، العراق فيه خبرات مهمّة، لماذا لم تفرز الطبقة السياسية أحزاباً همّها الوحيد خدمة المواطن كما ترى سماحتكم؟
جواد الخالصي: هذه إحدى المأخذات طبعاً. أثناء الحديث انقطع التيّار الكهربائي، فأردت أن أقول: إننا ما زلنا نعاني من قضية التيّار الكهربائي بعد 23 سنة وأكثر من الاحتلال، وبعد إنفاق مئات أو عشرات المليارات من الدولارات على هذا الموضوع.
وهناك قصّة مهمّة ذكرها أحد السياسيين قال: إن القائد الأمريكي بعد الاحتلال قال بشكل واضح: "لا يوجد كهرباء"، وهذه من غرائب الأمور والعجائب التي رأيناها في العراق.
في ظلّ هذه الأزمة، الكفاءات في العراق متوافرة ومتوافرة بشكلٍ مُتراكِم كما يقال. كثيرون أبناء العراق، فيهم خبراء وطاقات وتخطيط.
تحدّثنا عن الكهرباء، تأتي بخبيرٍ عراقي ومثله عشرات يشرح لك ما هي الأزمة وكيف يمكن أن نعالجها.
إذاً، لماذا لا تفعلون؟ الجواب: إن قراراً سياسياً مفروض علينا بعدم إجراء هذه الإصلاحات وتصحيح هذه الحالة.
الزراعة: أين وضع العراق الزراعي؟ الماء وأزمة المياه؟ لا أدري.
التجارة والصناعة: الصناعة قضية خطيرة، فهنالك كفاءات كثيرة ولكنها مُضيّعة.
لم تُنشأ عندنا في العراق جهة سياسية تستطيع أن تستجمع طاقات العراق وتقول: هذا مشروع لكم أيها العراقيون كافة، أيها الكرد والعرب والتركمان، أيها السنّة، أيها الشيعة، أيها المسيحيون، كأيّ بلد في العالم، نريد أن نفعل شيئاً لمصلحة البلد لكي يعيش الناس في مصلحة وهدوء.
هذا فضلاً عن الجانب الأمني، الجانب الأمني والتصفيات. وأنتم سمعتم قبل أيام حصل انفجار قُتِلَ فيه أحد المرشّحين للانتخابات.
لماذا ترضى عن هذا أو لا ترضى عنه؟ ليس الحلّ بالقتل، وليس الحلّ بالتفجيرات، ويُراد لنا أن نعود للمربّع الأول الذي تجاوزناه بفضل الله سبحانه وتعالى، لكن مع كثير من الخسائر وكثير من الآلام.
الكفاءات العراقية متوافرة، الطاقات مُهيّأة، التنظيم ممكن، لكن القرار السياسي مفقود. لماذا؟ وهذا الذي يجب أن يعلمه الجميع: لأن الأمريكان هم الذين يملكون القرار السياسي حتى الآن ويفرضونه على كل القوى السياسية الموجودة.
لا يصحّ أن نكذب على أنفسنا أو يكذب بعضنا على بعض أننا مستقلّون وأننا مُتحرّرون.
أجهزة الأمن تُديرها أجهزة مُرتبطة بالأمريكان، الجيش لا يستطيع أن يفعل شيئاً لسيطرة الأمريكان عليه.
بعض القوى موجودة مخلصة في الأمن وفي المخابرات وفي الجيش، فضلاً عن قوات الحشد الشعبي، مخلصة وواعية، ولكن القرار بِيَدِ مّن في النهاية؟ بِيَدِ الذي لا يريد للعراق أن يستقر.
وهذا ما لاحظناه. أنا أدرك أن نكرّر مسرحية شرم الشيخ بالشكل المرير الذي رأيناه أمامنا، ذكرتنا بكمب ديفيد وما جرى بكامب ديفيد قبل 50 سنة تقريباً، ولم يكن من نتائج ذلك إلا الدمار والخراب في المنطقة.
وتجد رئيس الولايات المتحدة يكذب على الحاضرين، وكثير من الحاضرين يكذبون لكي يصدّقوه.
أنا مُسْتَغْرب: رئيس باكستان لماذا يتحدّث بهذا الكلام؟ أو رئيس إندونيسيا لماذا يمدح هذا المديح؟
هذه دول إسلامية كبرى، فضلاً عن الدول العربية المُسْتَسْلِمة منذ البداية والتي لا تستطيع أن تفعل شيئاً في ظلّ هذه الظروف.
وبالمناسبة، ولأن الميادين في لبنان، لا أدري لماذا يجري في لبنان هذا الذي يجري؟
لماذا هذا الفرض على المقاومة والحصار؟
بدل تكريم المقاومين، لماذا هذا الخَنْق؟
أحمد المشهداني: سماحة الشيخ، سأتحدّث بالملف الإقليمي في سياق هذه الحلقة. أنا أعرف جيّداً بأن الشيخ جواد الخالصي من الشخصيات الداعية إلى الوحدة بين المذاهب، وخاصة بين الشيعة والسنّة، ووصفتهما أنت بالجناحين.
مّن يريد قَطْع هذه الأجنحة للمجتمع العراقي، وما الفائدة من هذا المشروع سماحة الشيخ؟
جواد الخالصي: الذي يريد تمزيق الشعب العراقي هم الذين يريدون تمزيق الأمّة، من سايكس بيكو وإلى اليوم.
القضية واضحة. قبل سايكس بيكو كانت هنالك مؤامرات بيّنة ما زالت إلى اليوم، وهذا الأمر مستمر.
الشيعة والسنّة لا يمكن أن يتقسما، لأن وجودهم يمثل الانتماء إلى الإسلام، إلا إذا كان الشيعي أو السنّي يعمل لصالح العدو ولا ينتمي إلى الإسلام.
هذا الذي يقسّم الأمّة، وإلا ما الذي يقسّمنا؟ آراء اجتهادات فُقهية محترمة تُبْحَث بين أهل العِلم، لكن الموقف الموحّد أين هو؟
أنا الشيعي يهمّني أن تنتصر غزّة السنّية أم لا؟ يهمّني طبعاً.
أنا السنّي أو ذاك السنّي يهمّه أن ينتصر لبنان الشيعي أم لا؟ يهمّه ذلك طبعاً.
لبنان أقصد المقاومة في لبنان. هذه أمور بديهية واضحة لا تحتاج إلى كثير نقاش ولا إلى كثير تعمّق، لكن تحتاج إلى موقف نقفه في الأرض نواجه فيه الذين يفرّقون، خصوصاً الذين يفرّقون شعبنا من أجل أهداف سياسية دنيئة.
كما سمعنا هذه الأيام يخرج شخص ويقول: أهل السنّة يجب أن تُعاد لهم حقوقهم، ونحن أهل السنّة قد ظُلٍمنا، في مقابل شيعي يقول: مازال الشيعي يخدم السنّي، ويعبّرون هذه التعبيرات الهابِطة السيّئة التي لا تليق بالدُعاة إلى الله والذين يدافعون عن الشعوب.
حقيقة، الذين يفرّقون هذا الشعب هم لا ينتمون إلى مصالح هذا الشعب، إنما يبحثون عن مصالح أنفسهم.
حتى أحد السياسيين قال بوضوح: نحن جئنا للعراق فأثرنا الطائفية لأنه لم تكن لنا قواعد شعبية، أثرنا الطائفية حتى نستفيد من الشدّ العصبي لنوجد قواعد شعبية لنا.
فنحن، أنا كداعية، أنا كمسلم، وهذا واجب كل مسلم: الدعوة للوحدة الإسلامية، الدعوة للتفاهم.
أنا بالأمس صلّيت في مسجد صلاة المغرب في بغداد، لقيت من الإخوة ترحيباً طيّباً والكلام الطيّب، وخرج أحدُهم معي إلى الخارج وقال لي: يجب أن تبدأ أنت شخصياً في مشروع الدعوة للوحدة الإسلامية.
طبعاً أنا لم أقل له إننا منذ مئة سنة نفعل هذا، لكن قلت له: بارك الله فيك، نحن سنستمر، سنجدّد الدعوة للوحدة الإسلامية.
واستغلّ هذه اللحظة المهمة وأقول للعراقيين كافة: لا تتأثّروا بالدعايات والصراعات التي تُدار هنا وهناك.
لا تهتمّوا بموضوع الانتخابات، مَن أراد أن ينتخب فلينتخب، ومن أراد أن يمتنع فليمتنع، هذا أمر طبيعي.
لكن إيّاكم أن تُجَرّوا للفتنة مرة أخرى بواسطة هؤلاء الدُخلاء =والمدسوسين الذين يريدون أن يتاجروا بدمائكم وبمصالحكم.
دعوتنا للوحدة عبادة إيمان كالصلاة والصوم. مَن لا يدعو إلى الوحدة، لا خير في صلاته ولا في صومه ولا في عبادته.
أحمد المشهداني: سماحة الشيخ، كيف ترى موقف مرجعية النجف ووقوفها على الحياد من العملية السياسية ومن العملية الانتخابية في السنوات الأخيرة بعد أن دعمتها بعد التغيير وبعد الاحتلال الأمريكي؟
هل شعرت اليوم المرجعية في النجف بالإحباط من الطبقة السياسية الفاعلة اليوم؟
جواد الخالصي: هذا السؤال سؤال مهمّ جداً، وهو مُحْرِج أيضاً، لأننا نرى وما زلنا نرى أن دور المرجعية كان من المفروض أن يكون أشمل وأجمع.
طبعاً المرجعية لم تدعُ إلى الفرقة، لكن الذين تحدّثوا باسمها دعوا إلى انتخاب قوائم حُسِبَت أنها تمثّل طوائف.
وهذا ما قلناه: إذا أردتم الدخول في الانتخابات فادخلوا في قائمة موحّدة.
هذه المسألة هي التي أدّت للأسف الشديد إلى استغلال سلبي لعدم حَسْم الأمر من قِبَل مَن يمثّل المرجعية أو مَن يدّعي أنه يمثّل المرجعية الدينية.
لذلك كان طبيعياً أن يصابوا بالإحباط وأن يُهزَموا، وكما قالوا: بحّت أصواتنا.
لماذا؟ لأن الأساس الذي نشأت عليه العملية السياسية كان أساساً خاطئاً.
وأنا أكرّر هنا مسألة تاريخية يجب أن تُعْلَم: إني في عام 2003، في شهر تموز، التقيت بسماحة السيّد السيستاني في بيته وعرضت عليه هذا الكلام الذي أعرضه اليوم، والسيّد السيستاني أشاد به ورحّب به.
وأنا قلت له: فقط نريد شيئاً واحداً أن يُجرى العمل على ذلك، أن تكون هناك عندنا قائمة موحّدة تمثل الشعب العراقي كله.
هذا إذا قرّرنا الدخول في الانتخابات، لأننا في البداية قرارنا التحرير ثم الانتخابات.
لكن فُرِضَ جاء شخص أو أشخاص قالوا: لا يمكن الانتظار إلى التحرير لتحصل انتخابات، هناك فراغ سياسي خطير قد يؤدّي إلى أزمات، لا بأس فلنسُدّ هذا الفراغ السياسي بقائمة عراقية موحّدة فيها السنّة وفيها الشيعة وفيها العرب والكرد والتركمان.
وكان نتائج هذا العمل - فيما لو تمّ والذي رحّب به السيّد السيستاني - حالياً البعض قد يرفض هذا أو لا يؤيّده، لا أدري.
أنا أنقل مشاهَدتي في تلك اللحظة: 19 حزيران عام 2003، هذا اللقاء جرى في النجف الأشرف في مكتب السيّد السيستاني، وكان لقاء يُعتبر مطوّلاً.
وقلت له هذا الذي يجب أن يكون، والسيّد رحّب بهذا ورحّب بهذه الفكرة.
وإبن السيّد السيستاني السيّد محمد رضا شاهد على هذه الجلسة، وأحد المشايخ الكبار الذي حدّثته بعد اللقاء وهو الذي مهّد للقاء أيضاً موجود وهو الشيخ هادي الراضي.
=ذكرت الإسم حتى يكون هو شاهداً على كلامي.
فنحن كان من المفروض منذ البداية أن نعمل على إيجاد كتلة واحدة عراقية تعمل على الاستقلال حتى لا نُهْزَم لاحقاً بالمتنافسين على المناصب والساعين من أجل استغلال التناقُضات الطائفية لأهوائهم وأغراضهم، وهذا الذي عصف بنا وعصف بالعراق إلى هذا اليوم.
أنا أقول هذا الكلام لأن الوضع في العراق فيه خطورة. إذا كنا غير قادرين على إيجاد الحلول الداخلية، فإن الأمريكان أو غير الأمريكان أو العملاء لا يمكن أن يهتّموا بإيجاد الحلول الداخلية.
بالعكس، هم يريدون للبلد أن يتمزّق أكثر، يريدون للشعب العراقي أن يبقى في الدوّامة كما يقال.
فهذه فرصة. إذا كان البعض يريد - قد يكون هذا السؤال قادم - ما هو الحلّ؟
الحلّ في نفس هذا الكلام الذي ذكرته لكم، وليس في العملية السياسية الروتينية التقليدية، وهذه الصوَر المُتناثرة في كل مكان والتي لا يدري المواطن العراقي هي لمَن وتمثل مَن، ولن تعود إلا نادراً.
أحمد المشهداني: سماحة الشيخ، نعود إلى التأثيرات الإقليمية. هل لا يزال للاحتلال الأمريكي دور في السياسة والاقتصاد العراقي اليوم؟ هل ما زال للأمريكي تأثير في الداخل العراقي؟
جواد الخالصي: القرار الأقوى في داخل العراق ليس قراراً إقليمياً كما يريد البعض أن يقولوا.
والبعض يقول إيران - حتى أذكرها بوضوح - أبداً، القرار الذي يؤثّر في واقع العراق كان قراراً أمريكياً وما زال قراراً أمريكياً.
نعم، بقيّة الدول تستطيع أن تؤثّر، كلٌّ حسب مصلحته وبشكلٍ صحيح أو بشكل غير صحيح، هذا موضوع آخر. لكن القرار هو قرار المحتلّ.
أنا كما ذكرت لكم: الانتخابات إذا جرت قبل أيام في بعض الدول المجاورة - وهي أيضاً مُضطربة - جرت فيها انتخابات، في المساء أُعلنت النتائج الأوّلية، في اليوم الثاني أُعلنت النتائج النهائية. نحن في العراق تستمر قضية إعلان النتائج شهرين، ثلاثة. لماذا؟ يريدون أن يتوافقوا فيما بينهم بما يرضي المشروع الآخر، وهو المشروع المُسيطر والمُهيمن.
لذلك أنا أؤكّد مراراً وتكراراً: الآن عندنا حكومة ودولة، وكنا نأمل أن تفعل أشياء إيجابية.
أحمد المشهداني: تقسيم الكعكة، تقسيم المناصب، وتوزيع المناصب بين الكتل السياسية التي تشكّل الحكومة؟
جواد الخالصي: نعم، هذا التقسيم. التقسيم فيه ضَرَر كبير.
بعض النواب أو بعض النائبات قالوا بصراحة: جلسنا وقسّمنا الكعكة، وأكلنا وشربنا وكذا. ما الذي وصل للشعب العراقي؟ هل مستشفيات العراق اليوم تستطيع أن تتكفّل بمريض يذهب للعلاج؟ الجواب: لا. هناك أزمة كبرى في الناحية الصحية، فيضطر الناس للذهاب إلى المستشفيات الأهلية، والنتيجة أعباء تكاليف كبرى على الناس. هذه قضية يجب أن تكون واضحة أمام الجميع.
الآن الأمن العراقي يُديره عراقيون، لكن القرارات المركزية لا يُديرها عراقيون.
لذلك نحن في بعض الأحيان نجد أن شخصاً متّهمًا بالإرهاب فجأة يتمّ العفو عنه ويدخل في واقع المجتمع ويصبح جزءاً منه لماذا اتهمتوه بالإرهاب؟ لأنه كان غير مرضٍ عند الأمريكان؟ لماذا عاد؟ لأن الأمريكان رضوا عنه وذهب وأبرم صفقة مع الأمريكان، فقالوا له: اذهب كما يقال: هُسّ مع المهوسين. ما دام لا يهوّس ضد أمريكا، ما دام يهوّس ضدّ الشعب العراقي أو ضد الدول المجاورة.
فالخلاصة في هذا: نحن نريد أن نقول إن القرار الأمريكي والسفارة الأمريكية - بالمناسبة السفارة البريطانية جداً مؤثّرة في هذا اللعب، في هذه الخطة - لماذا؟ لأن بريطانيا تاريخها معروف في العراق.
وكما كان يقول المرحوم عبود الكرخي، الشاعر الشعبي: "يا بريطانيا اللئيمة، أخلصي". كان يقول إن الأمر كله من أمريكا أو من بريطانيا في الحقيقة. فالأمريكان اليوم هم الواجهة، والبريطانيون خلفهم.
ولا ننسى، ويجب أن يكون واضحاً، التدخّل الصهيوني السرّي داخل العراق، وهو خطير جداً، وهذا مؤثّر، وتوجد شواهد عليه كثيرة.
أحد الإخوة كنت أقول له: احذَر من التدخّلات الأجنبية، فكان ينزعج مني ولا يرضى. قبل فترة قال: والله ما قلته، صُدِمت بما رأيته الآن، فإن هناك أماكن لا تبدو متأثّرة، وجدت أن القرار الصهيوني يؤثّر فيها.
فهذه القضايا أصبحت واضحة أمام الناس، وهي كما ترون الآن أصبحت علنية بعد هذه الحرب الأخيرة التي جرت وتهديدات نتنياهو ودعم ترامب وأمريكا وغير ذلك.
فالشعب العراقي اليوم ليس هو صاحب القرار، لأن القوى السياسية التي تقول "نمثل العراق" ليست هي صاحبة القرار. الحلّ يبدأ باستعادة القرار السيادي لهذا الشعب بإذن الله تعالى.
أحمد المشهداني: سماحة الشيخ، كيف ترى مواقف العراق من التوتّر في المنطقة؟
وكيف ترى علاقات العراق الإقليمية والدولية وسط هذه الحروب والمشاكل الإقليمية التي حصلت في الوطن العربي في سوريا، وفي لبنان، وفي إيران؟
جواد الخالصي: الحقيقة هذا يحتاج إلى شيء من التفصيل، الوقت لا يكفينا في هذا اللقاء.
لكن بالعموم، وأنا من باب الإنصاف والدقّة، أن موقف الدولة العراقية تجاه أحداث فلسطين وأحداث لبنان كان مواقف إيجابية على الأقل في الجانب المُعلن منه، وهذا أمر يجب أن نذكره.
مثلاً: استنكار الحرب على غزّة، والدعوة إلى دعم أهالي غزّة بما يمكن أن يُدعموا، أن لا يكون دعماً عسكرياً، أقصد دعماً سياسياً وغير ذلك. وكلمة العراق في الأمم المتحدة كانت كلمة فيها قوّة نوعاً ما نسبة إلى الكلمات الأخرى.
وقضية الأزمات التي حصلت أيضاً فيما يتعلّق بإيران، وفيما يتعلّق بسوريا، حتى المتغيّرات الأخيرة فيما يتعلّق بلبنان واليمن، الموقف الرسمي كان يتّسم بشيء من القوّة والرصانة، وهذا يجب أن نذكره.
نحن لا نقول بتخطئة كل مَن يعمل، لأننا لا نوافق على أصل أو العملية.
لكن طبعاً، العراق دورها أكبر من هذا، دور العراق أكبر من هذا، وهذا ما ينبغي أن يتمّ ضمن عملية إعادة القرار السيادي إلى العراق بشكل كامل ودقيق.
مثلاً: العراق استنكر الهجوم على إيران، ومن واجبه أن يستنكر، خصوصاً لأنه من أجوائه بدأ العدوان.
لكن عملياً لا يستطيع أن يفعل شيئاً لأنه لا يملك قوّة الفعل في الأرض والميدان الذي يتحكّم به المحتلّ الأمريكي.
أحمد المشهداني: حصلت الكثير سماحة الشيخ من التغييرات في المنطقة، وخاصة دول الجوار، وخاصة كما ذكرت في سياق حديثك.
==هل ترى أن هذه المتغيّرات لها انعكاسات سلبية على العراق بالداخل العراقي؟
جواد الخالصي: طبعاً، كل متغيّر يحصل في دولة مجاورة يؤثّر على العراق سلباً وإيجاباً.
مثلاً نوضّح هذا بشكل كامل: ما جرى من تغيير في سوريا كان يوحي - أو كما قاله البعض - أن تغييراً مماثلاً له سيحصل في العراق.
وكان البعض يُهيّئون ويقولون: عندنا قوّة، وعندنا حشد، والبعض ذهب إلى أمريكا ليأخذ مباركتها في هذه العملية.
حتى بعض الأشخاص فعل ما فعله غيره، أنه بدّلوا الأزياء تهيؤاً للمرحلة القادمة.
لكن هناك فروق جوهرية كبيرة بين الأحداث. أنا كنت أشخّصها أقول: ليس هذا كذا، هناك فرق كبير بين الحالين. لكن الخطر قائم، لماذا؟ لأن القوى التي استُخدمت كقوى تطرّف وقوى إرهاب، إذا أمكن استخدامها في أيّ مكان، ستكون هنالك فتنة وإراقة دماء وجرائم وأحداث خطيرة جداً. لكن يبدو أن الأفق لم يكن مُتاحاً للجميع أو للخطّة العامة، فتوقّفت.
أنا أذكر عندما حصل تغيير في سوريا، أنا بذلت جهداً للاتصال بمّن أعرفهم هناك في داخل البلد أو حتى الذين يمكن أن يوصلوا صوتاً إلى الحالةّ القادمة، الحالةّ القائمة الجديدة. قلت لهم: إيّاكم أن تستُدرجوا إلى حرب مع المقاومة في لبنان أو حرب ضدّ العراق على أساس طائفي. طبعاً يبدو أنهم لم يفعلوا عجزاً أو أنهم لا يريدون ذلك في الأعماق، لا أدري. هذه أمور الله أعلم بها، لكن كما تعلمون جرت محاولات.
أحمد المشهداني: سماحة الشيخ، مع مَن تواصلتم في سوريا؟
جواد الخالصي: كما تعلمون جرت محاولات معهم في سوريا لإثارة حرب طائفية وضدّ المقاومة، لأن الغاية هي إشغال المقاومة.
ليس تواصلاً مباشراً، أنا لا أملك تواصلاً مباشراً مع الوجوه الجديدة التي جاءت في سوريا، لكن بمّن أعرف من السوريين الذين لهم علاقة بهم، أوصلت هذه الرسائل.
وقلت لواحد منهم - وهو من الإخوة البارزين المعروفين - قلت له: أبلغ الجماعة أنكم إذا قمتم بحربٍ مع المقاومة في لبنان، فهذا سيؤكّد ما تتّهمون به بأنكم جزء من المشروع الأمريكي الذي يريد إحداث هذا التغيير. أما إذا توقّفتم، فسنقول: هناك أزمة داخلية في سوريا حُسِمَت بطريقة قد لا تكون مُرضية عندنا أو عند غيرنا، لكنها حُسِمَت بهذه الكيفيّة، مع ما فيها من مُفاجآت أو علامات استفهام كبيرة.
لكن نحن لا نتعامل بعلامات الاستفهام، نحن نتعامل بالواقع. هذا الذي جرى، إذا سُحِب لحرب طائفية، مثلاً لما جرت المجازر في الساحل، هذا جزء من الحرب الطائفية الخطيرة التي كان البعض يريد أن يروّجها في كل سوريا، انتقلت إلى الجنوب السوري، وتدخّل الصهاينة وضرب سوريا وقصفها. هذا كله كان يُنبئ بحال جديدة، بحال خطيرة.
نحن منذ البداية كنا نحذّر من الاستمرار أو الاستدراج إلى مثل هذه المعارك، والآن أيضاً نؤكّد على ذلك.
نتنياهو ليس مُنتصراً في الحرب، إسرائيل لم تنتصر. محصّلة المعركة إلى اليوم: الأمّة هي المُنتصرة، المقاومة في فلسطين هي المُنتصرة، وهذا معروف. الأهداف التي أرادها نتنياهو سقطت. الأهداف الثلاثة الكبرى: هم يريدون إزالة حماس والمقاومة والجهاد.
الآن هم يجلسون ليستمعوا إلى المقاومة في فلسطين ويطلبوا منها. يقولون: نحن ضربنا حزب الله في لبنان، متوهّمون وكاذبون. حزب الله أُصيب بإصابات شديدة وتضحياته عظيمة، لكن هذه التضحيات تؤكّد استمرار المقاومة وقوّتها. هم كانوا يقولون: مئة ألف مقاتل في حزب الله، الآن يقولون: قتلنا 5000، هذه مدّعياتهم. إذا بقي 95000، فالمعركة مستمرّة لم تتوقّف.
ما جرى في إيران: محاولة إسقاط النظام الإيراني، فشلوا به فشلاً ذريعاً. نحن ضدّ ضرب أية دولة من قِبَل أمريكا والصهيونية أو إسرائيل: هذه الدولة إيران، تركيا، الكويت، قطر، السعودية. لو أن إسرائيل ضربت السعودية، لا يختلف موقفنا في استنكار الضربة عن الموقف الذي جرى في قطر أو جرى في إيران. المعركة لم تنتهِ، والعراق في قلب المعركة.
لذلك نحن نقول للسياسيين العراقيين: نريد...
أحمد المشهداني: سماحة الشيخ، هل هناك خطورة على العراق خاصة بعد دخول إسرائيل إلى سوريا؟
جواد الخالصي: أكيد، إسرائيل كانت تستهدف العراق في المرحلة التالية. وهذه الكلمة قالها سيّد شهداء المقاومة رضوان الله عليه، سيّد شهداء طريق القدس :لو انتهت المعركة في فلسطين سيأتون إلى لبنان، وإذا انتهت في لبنان سيأتون إلى سوريا، وإذا انتهت في سوريا سيأتون إلى العراق.
لكن المقاومة القوية والعظيمة والتي قامت بها شعوبنا في اليمن وغيره، الحقيقة أتعبت المشروع الصهيوني أو أنهكته، وأوقفته عند حدوده.
هم الآن مهزومون. السؤال: مَن الذي انتصر لحدّ الآن؟ الأمّة مُنتصرة لحدّ الآن، لكن ليس حسْماً.
المعركة مستمرّة، ولعلّه في الأشهر أو السنوات القادمة ستكون هكذا.
ونحن نسمع اليوم قصفاً في لبنان، قصفاً في البقاع، قصفاً في سوريا، استهداف هذا المكان.
هذا جزء من استمرار المعركة الخطيرة التي يجب أن يكون العراق قوّياً فيها، بماذا؟
باستعادة قراره السيادي، والحصول على الاستقلال الكامل لاتّخاذ القرارات التي تهمّ العراق وتهمّ المنطقة.
أحمد المشهداني: وهنا أسأل سماحة الشيخ: أنت من المؤيّدين للمقاومة في البلدان العربية، كيف ترى واقع المقاومة اليوم بعد طوفان الأقصى في ظلّ التوسّع الإسرائيلي في المنطقة؟
جواد الخالصي: أنا مواطن عربي مسلم، ولو كنت كردياً أو فارسياً أو تركياً أيضاً نفس الأمر لا يختلف عندي، ولو كنت إنساناً في مكان آخر نفس الموقف. نحن مع حقّ الشعوب في المقاومة، هذه بديهيّة. لو أن دولة في أمريكا الجنوبية - تشيلي أو كوبا أو غيرها - قاتلت ظالماً، سنكون معها، لأن هذه المعادلة الكبرى: كونوا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً. والمقاومة تمثل مظلومية الشعوب، فنحن معها ونؤيّدها. فكيف إذا كانت في العراق أو كانت في لبنان أو كانت في فلسطين؟
هذا أمر بديهي، مظلوميّتهم كبرى وقعت على شعوبنا، ولا بدّ من أن نؤيّد المقاومة وأن نعمل على دعمها وتأييدها بكل ما نستطيع، ونقول هذا علناً من دون تردّد. ونحن لو تمكّنا من حمل السلاح لحملناه.
طبعاً نحن أحفاد أولئك الرجال الذين حملوا السلاح وقاتلوا في جنوب العراق الغزو البريطاني من عام 1914 و1915 إلى ثورة العشرين، من 17 إلى ثورة النجف ثم إلى ثورة العشرين. فهذا واجب، واجب شرعي، واجب بشري.
لماذا يقاتل جماعة المقاومة مثلاً في النرويج ضدّ الغزو البريطاني ويُصْنَع لهم فيلم مشهور اسمه "أبطال الدنمارك"؟ فلماذا لا نأخذ نحن بهذا الحق؟ أو المقاومة في فرنسا يُمجّدون فيها ضدّ النازية؟ هذه مقاومة، فنحن هنا نؤيّد هذه المقاومة ونعتبرها شيئاً مقدّساً، وهي تمثل الشعوب. الذي يمثل الشعب هو المقاومة، وليس المستسلمون المُتخاذلون والخونة والتابعون.
ما هو مستقبل عملياً؟ أنا ذكرت: هذه المعركة لم تنتهِ، وهي لم تبدأ في طوفان الأقصى.
=نعم، هي تصاعدت وتأجّجت بشكل عظيم ومؤثّر ومفيد في عملية طوفان الأقصى، وظلّت المعركة مستمرة وستبقى مستمرة. ونحن اليوم نقاتل فيها، نحن ما زلنا في وسط المعركة. أنا أقدر أننا تجاوزنا الوسط بقليل، فلا ندري كم تستمر. وهذه المعركة لن تتوقّف. المقاومة ما زالت قوية في فلسطين، ما زالت قوية في لبنان - وهذه شيعية وتلك سنّية كما يقولون - لكنها مقاومة إسلامية وطنية واحدة.
المقاومة في اليمن ما زالت قوية، استُشهد رئيس الأركان وقبله الحكومة، وما زال الشعب اليمني يقف.
والمقاومة في العراق كذلك، نحن معها نؤيّدها ما دامت تدافع عن مصالح الشعب العراقي وتدافع عن وحدته وأرضه.
أحمد المشهداني: سماحة الشيخ جواد الخالصي، شكراً لقبول هذه الدعوة لإجراء هذا الحوار الخاص عبر الميادين والميادين بلاس. شكراً جزيلاً سماحة الشيخ.
جواد الخالصي: شكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أحمد المشهداني: وأنتم مشاهدينا، شكراً لكرم المتابعة.