أنقرة على خط النار بين الشرق والغرب: الجغرافيا تصوغ الإستراتيجيات
في هذه الحلقة من برنامج "دوائر القرار"، نفتح ملف تركيا.. الدولة التي تقف اليوم عند تقاطع الجغرافيا والتاريخ، وتتحول من لاعبٍ إقليمي إلى عقدةٍ أساسية في شبكة الصراع الدولي بين واشنطن وموسكو وبكين. ما الذي تريده أنقرة من هذا التمدد بين القوقاز والمتوسط، بين البحر الأسود والخليج؟ وهل تسعى فعلاً إلى رسم خريطة نفوذٍ جديدة تُعيد تعريف موقعها في النظام الدولي؟ في حلقة بعنوان " أنقرة على خط النار بين الشرق والغرب: الجغرافيا تصوغ الإستراتيجيات"، نسلّط الضوء على تشابك المصالح التركية في ميادين عدة: • من سوريا والعراق إلى ليبيا وغزة. • من أمن أوروبا إلى حدائق آسيا الوسطى. • من خطوط الغاز إلى توازنات البحر الأسود. نناقش: • إلى أي حدّ تستطيع أنقرة الموازنة بين مشروعها الإقليمي وضغوط واشنطن؟ • كيف توظّف الجغرافيا في خدمة طموحها كقوة صاعدة؟ • وهل تتحول تركيا إلى وسيطٍ بين الشرق والغرب أم إلى ساحةٍ لصراعهما؟ نستضيف في هذه الحلقة رسول طوسون، نائب سابق عن حزب العدالة والتنمية. شاركونا آراءكم في التعليقات: هل ترى في تركيا قوة توازنٍ أم مشروعَ نفوذٍ جديد؟
نص الحلقة
كمال خلف: سلام الله عليكم، مشاهدينا.
في عالم يُعاد فيه رَسْم خرائط القوّة، تقف تركيا عند تقاطُع الجغرافيا والتاريخ؛ دولة على مُفترق الشرق والغرب، تمتدّ مصالحها من حدود القوقاز إلى المتوسّط، ومن البحر الأسود إلى الخليج.
أنقرة اليوم ليست مجرّد لاعب إقليمي، بل عُقدة استراتيجية في شبكة الصراع الدولي بين واشنطن وموسكو وبكين، بين المصالح والطموحات، بين التحالفات المُتبدّلة والحدود المتحرّكة.
من الجنوب السوري والعراقي إلى ليبيا وغزّة، ومن البحر الأسود وأمن أوروبا، مرورًا بحدائق آسيا الوسطى وملفّات الطاقة والغاز، تتعدّد جبهات الدور التركي، كما تعدّد رهاناته بين مشروعها الإقليمي الخاص وضغوط السياسات الأمريكية. تحاول تركيا إعادة تعريف مكانها في النظام الدولي الجديد.
أنقرة على خط النار بين الشرق والغرب؛ الجغرافيا تصوغ الاستراتيجيات. أهلاً بكم.
أرحّب بضيفي من إسطنبول، السيّد رسول طوسون، النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية. سيّد رسول، حيّاك الله. أرحّب بك عبر دوائر القرار، التي سنمرّ معك فيها، سنكون معك من دائرةٍ إلى أخرى لنلقي نظرة على تركيا من الداخل وكذلك على سياساتها.
حيّاك الله في هذه الحلقة، وسأبدأ، مشاهدينا، من الدائرة الأولى، عنوانها: الجغرافيا تتكلّم: كيف أعادت تركيا رَسْم خرائط نفوذها؟
كمال خلف: سيّد رسول، سأبدأ معك من السؤال الافتتاحي في هذه الحلقة. قبل أن نقف على خريطة تركيا ونفصِّل فيها الأجواء التي تقوم بها تركيا في مناطق متعدّدة في الإقليم والعالم، لكن سأبدأ من قصّة الجغرافيا: هل تبدأ قصّة تركيا من الجغرافيا، سيّد رسول؟ بمعنى أن الجغرافيا هي مَن تعطي تركيا الدور المتجدّد باستمرار مع اختلاف المُتصارعين ومصالحهم في هذا العالم، خاصة الأقطاب الدولية؟
رسول طوسون: العامل الجغرافي هو عامل أساسي في العلاقات وفي أماكن الدول. نعم، العامل الجغرافي بالنسبة لتركيا عامل في غاية الأهمية، لكن العامل الجغرافي لا يكفي لأن تكون تركيا، أو لأن تكون أية دولة، لها دور عظيم في المنطقة أو العالم. فعلى سبيل المثال، هل للولايات المتحدة عامل جغرافي؟ حتى الرئيس ترامب يرأس الطاولات في الشرق الأوسط؟ لا، نحن لا ننكر العامل الجغرافي، لكن العوامل التي تجعل تركيا هي القوية ولها دور في المنطقة وكذلك في القضايا العالمية، كما تطرّقتم إليها في البداية:
أولًا، قبل كل شيء، القيادة الرشيدة. تركيا الآن تتمتّع بقيادة رشيدة. وكذلك العامل الثاني: السياسة الخارجية المُتوازنة مع جميع الجيران.
كمال خلف: هنا عدّة عوامل سنتحدّث عنها تِباعًا؟
رسول طوسون: وكذلك هناك الاقتصاد القوي والقوّة العسكرية، وناهيك عن العامل الجغرافي. إذا أضفت العامل الجغرافي لهذه العوامل...
كمال خلف: تكتمل الصورة في هذه الدوائر، أستاذ رسول. سنمرّ عليها تِباعًا. نبدأ بالجغرافيا الآن. سنتحدّث عن موقع تركيا الجغرافي في الصراع الدولي الحالي، في القضايا الساخِنة الآن. هذه تركيا، مشاهدينا، كما ترونها على الخريطة: هناك دولة أوراسيا بامتياز. سنتحدّث طبعًا عن دورها في الملفات =الساخِنة، لكن سأبدأ من غزّة. هنا في غزّة، على شاطئ المتوسّط، في هذه المنطقة، مشاهدينا، ستلعب تركيا دورًا رئيسيًّا في اليوم التالي في غزّة. طبعًا، رأينا حضورًا تركيًّا لافتًا في توقيع الاتفاقية أو الخطّة الأمريكية في ما يتعلّق بغزّة. دور جديد سيكون لتركيا في غزّة.
جنوبًا أيضًا، نتحدّث عن جنوب تركيا، هذه المنطقة تحديدًا: سوريا، العراق، الأردن، ومنها إلى منطقة الخليج. تركيا تلعب دورًا مهمًّا في ما يحصل حاليًّا في سوريا. استقرار الوضع في سوريا، ستلعب ربما دورًا مهمًّا أيضًا في خط الغاز القطري الذي سوف يأتي من الخليج عبر السعودية إلى سوريا، إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا. هنا، تركيا تلعب عقدة الوَصْل في هذا المشروع الدولي الكبير. أيضًا، طريق التنمية الذي يتمّ الحديث عنه، الذي يمرّ أيضًا من الخليج عبر العراق إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا. هذا بالنسبة للجنوب.
نأتي إلى الشرق. هنا، هذه منطقة حيوية جدًّا في الصِراع الدولي، مشاهدينا.
هنا، الولايات المتحدة الأمريكية تركّز على منطقة جنوب القوقاز بشكلٍ أساسي، على دول آسيا الوسطى، في صراعها طبعًا مع الصين. مصالح روسية ومصالح إيرانية يربط بينهما هنا طريق شمال شرق الاستراتيجي والاقتصادي بين روسيا وإيران، يمرّ عبر هذه المنطقة. الصين تعتبرها طبعًا حائط صدّ، هي ودول آسيا الوسطى.
هنا، تركيا في هذه المنطقة: تركيا لاعب أساسي، لاعب محوري في منطقة جنوب القوقاز ودول آسيا الوسطى. لا ننسَى أن دول آسيا الوسطى، أو ما تُعرف بمنظّمة الدول التركية، تجمعها علاقات لغة وتاريخ وثقافة مع تركيا، تشكّل أهمية كبيرة جدًّا بالنسبة للصين لأنها تمتدّ إلى حدودها.
طبعًا، نتحدّث عن الشمال. هنا، تلعب تركيا دورًا كبيرًا في الحرب المُسْتَعِرة بين روسيا وأوكرانيا. تواجد أسطولها في البحر الأسود عبر اتفاقية مونترو يعطيها أفضلية في هذه المنطقة التي يتواجد فيها أيضًا الأسطول الروسي. حلف الناتو يعتمد على تركيا بشكلٍ كبيرٍ في هذه المنطقة. تركيا تطلّ على أربعة بحار: تطلّ على البحر المتوسّط، البحر الأسود، على إيجه، وكذلك على بحر مرمرة.
هذا بالنسبة لمنطقة الشمال. لنرى منطقة الغرب: أمن أوروبا، في منطقة الغرب، مشاهدينا، وامتداد حلف الأطلسي في هذه المنطقة. إذا نظرنا إلى الخريطة بشكلٍ كامل، نجد أن تركيا لاعب في الجهات الأربع التي تتواجد حولها.
سنبدأ مع الأستاذ رسول الآن في منطقة ملف ونقطة ساخنة. لكن بداية، أستاذ رسول، هذا الموقع في ظلّ التنافس الدولي الحالي، هل يجعل تركيا حجر أساس في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة؟ البعض يقول: إعادة مُحاكاة لدور تركيا في الناتو ضدّ وارسو خلال الحرب الباردة. هذا هو دور تركيا الجديد. كيف ترى هذه الرؤية؟
رسول طوسون: تركيا حليفة في حلف الناتو، لكن ليست عميلة للولايات المتحدة، وليست عميلة للمشاريع الأمريكية. لذلك، هناك ملفات تختلف فيها الولايات المتحدة مع تركيا، وكذلك تركيا ترفض البعض من المشاريع الأمريكية. لذلك، لا يمكن أن نضع تركيا أنها مُساعِدة حامية للمشاريع الأمريكية. نعم، تركيا حليفة مع الولايات المتحدة في المشاريع التي تفيد بالمنطقة ولدول المنطقة ولشعوبها الإقليمية. وإلا، إذا كان هناك مشروع أمريكي يضرّ منطقتنا، يضرّ إحدى دولنا أو يضرّ أحد الشعوب في المنطقة، تركيا رفضت المشروع الأمريكي، كما تذكرون، بينما كانت الولايات المتحدة تفرض على إيران بالمنشآت النووية، تركيا وقفت إلى جوار إيران مع دول أمريكية جنوبية ضدّ الولايات المتحدة. ولذلك، السياسة الخارجية الجديدة التركية ليست تابعة للولايات المتحدة.
كمال خلف: لا تريد أن تكون تابعة. لكن هنا، هذه التوصيفات في السياسة تابعًا أو عميلاً، لا، هناك مصالح في النهاية. لكن أستاذ رسول، هذه الميزات بالموقع التركي بالنسبة للولايات المتحدة وللغرب عمومًا قد تتحوّل إلى تهديد. هذه الميزات الكبيرة التي تعتبر هنا بالنسبة للولايات المتحدة والاستراتيجية الأمريكية قد تتحوّل إلى تهديد إذا جرى عدم احترام المصالح التركية.
=هل هذا هو سرّ أو تفسير الاهتمام اللافت الذي لاقاه الرئيس أردوغان من الرئيس ترامب؟
رسول طوسون: بطبيعة الحال، المواقف التركية في بعض الأحيان قد تكون تهدّد الولايات المتحدة، وكذلك القرارات الأمريكية أحيانًا تهدّد الدولة التركية. على سبيل المثال، تركيا حليفة مع الولايات المتحدة، لكن مازالت الولايات المتحدة تنفّذ قانون العداء الخاص ضد تركيا، فترى تركيا من الدول العدّوة لها. فلذلك، العلاقات السياسية المتوازنة بين تركيا والولايات المتحدة، كما تفضّلت، هم يبنونها على المصالح، لكن أيضًا على مصالح المنطقة وعلى مصالح شعوب هذه المنطقة.
كمال خلف: شعوب هذه المنطقة، أستاذ رسول. دعنا نفصّل أكثر في الخريطة بما تحدّثت فيه سابقًا. سأبدأ، إذا سمحت لي، من غزّة إلى غزّة مجدّدًا. الأسباب التي أعطى فيها دونالد ترامب أو الولايات المتحدة دورًا لتركيا في خطتهما: ففي غزّة، تركيا ستكون حاضرة في هذا الملف. وبالنسبة لإسرائيل، إسرائيل الآن لديها صراع مع تركيا شمالًا، شمالي فلسطين المحتلة. كيف سمحت إسرائيل لدور تركي أيضًا في جنوبها في غزّة؟
رسول طوسون: في الحقيقة، الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل اضطرتا إلى التوسّط التركي في حل هذه الاتفاقية الأخيرة. لماذا؟
لأن حركة حماس تذكر أن الدول الأوروبية كلها، بما فيها الولايات المتحدة، كانت تعتبر حماس تنظيمًا إرهابيًّا، وكذلك معظم الدول العربية كانت تنتظر انتهاء حماس خوفًا على عروشها. لكن تركيا، من بداية الأمر، قالت وأعلنت أن حماس هي حركة مقاومة ضدّ الاحتلال، وهي حركة شرعية، دافعت ودعمت من يومها.
كمال خلف: هذا، أستاذ رسول، يخيف إسرائيل أكثر من وجود تركيا، من نفوذ تركي أو دور تركي في غزّة؟
رسول طوسون: دعني أكمل الجملة. منذ مجيء الرئيس أردوغان إلى الحُكم، كان موقفه من حماس هذا. هو حماس الآن: هل تثق بالدول العربية التي بالحقيقة تُعاديها؟ لا تثق. وكذلك لا تثق. هناك دولة قطر تتوسّط، لكن كانت قطر قبل أشهر تعرّضت لقصف إسرائيلي ولم تحقّق شيئًا.
ففي البداية، كما قلت، قوّتك العسكرية تجعلك في موقع الأهمية الكبرى. فعندما أراد الرئيس ترامب السلام في المنطقة ووعد بأن يوقف الحرب في غزّة، مَن كان يستطيع أن يقنع حماس سوى تركيا؟ لم يكن هناك أيّ لاعب يؤثّر على حماس. فلذلك، تركيا في الحقيقة أقنعت.
كمال خلف: سرّ نجاح خطّة دونالد ترامب هو تركيا بسبب الثقة بينها وبين حماس والتأثير على حركة حماس؟
رسول طوسون: نعم. وبعبارة أخرى، تركيا أقنعت ترامب، وأقنعت حماس أيضًا، الرئيس أردوغان. فلذلك، كان لأول مرة جلست تركيا على طاولة المفاوضات، وعلى طاولة إبرام الاتفاقية. لأول مرة وصلوا إلى هذه النقطة. هذه نتيجة السياسة المتوازنة، أو الموقف إلى جانب الإرادة الشعبية وإرادة المقاومة، لأن حماس في الوقت نفسه هي الحزب الحاكِم في فلسطين. الانتخابات التي جرت في سنة 2006، فازت حماس بـ74 مقعدًا بالبرلمان الفلسطيني من أصل 132 مقعدًا.
كمال خلف: صحيح، بالمجلس التشريعي الفلسطيني، في غزّة.
رسول طوسون: تركيا قيّمت هذا.
كمال خلف: أستاذ رسول، سأسألك عن نقاط أخرى في الخريطة. وعندي موضوع الوقت، لوجود ملفات أخرى. سأسألك عن ثلاث نقاط الآن بشكل سريع.
خط الغاز القطري الذي سوف يمرّ - وهذا مشروع كبير - سيمرّ من السعودية إلى سوريا، تركيا طبعًا عقدة الوصل إلى أوروبا. هذا خطّ الغاز سيؤثّر، أو من خلاله سوف تستغني أوروبا عن الغاز الروسي.
هنا، كيف تُدير تركيا علاقاتها مع روسيا؟ هذا الخط يضرّ بشكل كبير تصدير الغاز من روسيا.
لدينا أيضًا طريق التنمية عبر العراق. هذا الطريق سيكون بديلًا عن الطريق الذي يمرّ من الخليج إلى العراق، تركيا، إلى أوروبا. وهذا سيكون بديلًا أيضًا ومنافسًا للطريق البرّي الصيني.
هنا يبدأ الحديث عن دور تركيا في هذا الصراع بين الصين وروسيا وبين الولايات المتحدة. يبدو من خلال خطوط الطاقة والجغرافيا أن تركيا لا تميل هنا للاستراتيجيات الأمريكية على حساب الصين وروسيا. أليس كذلك؟
رسول طوسون: نعم، ليس كذلك. لأن الدول لا تعتمد على مصدر واحد للطاقة وللغاز كذلك. فلذلك، إيصال الغاز القطري أو طريق التنمية إلى تركيا ومنها إلى أوروبا هذا لا يؤثّر على الولايات المتحدة سلبًا، لأن الدول كلها، كما قلت لك، لا تعتمد على مصدر واحد. على سبيل المثال، تركيا لا تعتمد على غاز إيران ولا على غاز روسيا لوحدها، إنما تشتري غازًا من قطر ومن الجزائر. وكذلك، في الزيارة الأخيرة، أبرمت تركيا اتفاقية مع الولايات المتحدة لشراء غاز النجف. فلذلك، الغاز القطري أو الغاز الذي سينطلق عبر طريق التنمية لا تؤثّر على الاقتصاد أو على الغاز الأمريكي ولا على الغاز الروسي، لأن تركيا أيضًا تستورد الغاز الروسي وتصدّر من تركيا، حيث أن تركيا باتت مركز الغاز العالمي لتصديره إلى مَن يستخدمه.
كمال خلف: لديّ نقطة أخرى في هذه الخريطة. هذه المنطقة هنا: منطقة جنوب القوقاز وآسيا الوسطى. هنا تبدو الإدارة الأمريكية، من خلال علاقات تركيا مع آسيا الوسطى، تحاول توظيف هذه العلاقة مع دول آسيا الوسطى في معركتها، في تنافسها على احتواء الصين أو الاقتراب من حدود الصين أو الوصول إلى حدود الصين.
أيضًا، أستاذ رسول، في جنوب القوقاز، في هذه المنطقة، نريد أن نفهم السياسة التركية في دور لإسرائيل مُتعاظِم في أذربيجان، هنا في هذه المنطقة بشكل واضح. في مصالح روسية إيرانية في معبر زنغزور تشترك فيه، وفيه دور لتركيا في هذا المعبر، في العلاقات الأرمينية الأذربيجانية.
حقيقة، أستاذ رسول، كيف تفكّك لنا الدور التركي وما تقوم به تركيا في هذه المنطقة الهامة التي يبدو بأنها منطقة احتدام تنافُس - دعني أقول - بين قوى إقليمية دولية: روسيا، الصين، والولايات المتحدة، وإيران التي تعتبر هذه الحدود مهمّة لها بشكل كبير.
أعطينا بشكلٍ مُلخّص: ماذا تفكّر أو ما هي محدّدات السياسة التركية في هذه المنطقة؟
رسول طوسون: بداية، أخ كمال، التنافس الصيني الأمريكي هذا ملف آخر وموضوع لا يمكن أن نتعمّق فيه في هذا البرنامج. لكن الموقف التركي في شرق تركيا موقف يعتمد على المصالح: مصالح تركية ومصالح الدول الموجودة هناك. نعم، هناك علاقات بارزة بين أذربيجان وإسرائيل، لكن أذربيجان، إذا اضطرّت أن تختار أحد العاملين، فهي تختار تركيا بلا شكّ، لأن تركيا هي التي تقف إلى جوار أذربيجان في كل ما هبّ ودبّ. حتى الدور الأمريكي، في الحقيقة، الدور الانتهازي: هذا الرجل المحتلّ هو ينتهز الفرص. فعندما انتهت المشاكل بين أذربيجان وأرمينيا بدعمٍ تركي، جلس هناك وأبرم اتفاقية لمعبر زنغزور. فهذه خطوة انتهازية، نعم، ضدّ المنافس الأصفر له الصين. لكن اللاعب الأساسي هنا، كما تفضّلتم قبل قليل، الدول التركية: منظّمة الدول التركية. هذه الدول التركية كلما تخطّت خطوة لحماية مصالح المنطقة، نعم، تستفيد منها هي الدول الأخرى مثل روسيا وإيران والدول الأخرى. فعلاقات تركيا مع الجوار كلها تُبنى على حُسن الجوار.
كمال خلف: سأنتقل للدائرة الثانية، إذا سمحت لنا، مشاهدينا. عنوان الدائرة الثانية: المعادلة الصعبة: تركيا بين مشروعها الخاص واستراتيجيات واشنطن في هذه المنطقة.
مشاهدينا وضيفي العزيز، سنعرض هذا التقرير. أستاذ رسول، أرجو أن تستمع له، لأنني أطرح الأسئلة من خلال هذا التقرير. نتابع:
تقرير:
في السياسة التركية لا توجد صدفة. فكل تحرّك يُقرأ في ضوء التاريخ والجغرافيا والهوية الوطنية.
أنقرة اليوم تقف عند مُفترق طرق بين مشروعها الإقليمي الخاص وطموحات القوى الكبرى التي تتقاطع مصالحها في الشرق الأوسط. تركيا ليست مجرّد لاعب تابع، بل هي قوّة قادرة على المناورة، تعتمد على ما يمكن تسميته "الدبلوماسية المزدوجة".
فيديو: رجب طيّب أردوغان.
ويكمل مُعدّ التقرير: وهي سياسة التوازن بين الغرب والشرق، بين واشنطن وموسكو، بين تل أبيب وطهران، مع المحافظة على استقلال القرار.
في هذا السياق، تبرز مسألة العلاقة بالولايات المتحدة: هل تنظر واشنطن إلى أنقرة كشريك موثوق به، أم كأداة يمكن استخدامها لتحقيق أهداف استراتيجية في إعادة تشكيل الشرق الأوسط؟
هنا تقف السياسة التركية، القائمة على ما يسمّيه السياسيون الأتراك "العُمق الاستراتيجي"، حيث توظّف أنقرة موقعها الجيوسياسي ونفوذها الإقليمي لتقديم نفسها حلقة وَصْل بين الأطراف المُتناقضة.
من غزّة وسوريا إلى العراق وشرق المتوسّط، ومن جنوب القوقاز إلى آسيا الوسطى، أما المشروع الإقليمي الخاص بتركيا فيمتدّ من ليبيا إلى شرق الفرات، مرورًا بتحالفاتها مع قطر، وصولًا إلى إعادة ضَبْط العلاقة بمصر بعد فترات التوتّر.
كل هذه الأوراق تُدار بحذر لتضمن أنقرة مساحة من المُناورة، وفي الوقت ذاته كي تحافظ على القُدرة على التأثير في سياسات واشنطن وتوازِن علاقاتها مع إسرائيل رغم الخلافات الحادّة بين الطرفين.
تركيا، إذًا، اليوم ليست مجرّد دولة في خريطة الشرق الأوسط، بل هي تجربة في صناعة قوّة إقليمية مرنة تستطيع أن تجمع بين النفوذ والمصالح المُتبادلة، بين التاريخ والدبلوماسية، بين الطموح الوطني والواقعية السياسية، ما يجعلها محورًا لا يمكن تجاوزه في أية معادلة إقليمية أو دولية.
كمال خلف: أستاذ رسول، في هذه الدائرة لديّ سؤالان، لأنه في الدائرة الثالثة سنطلّ على تركيا من الداخل، وكثيرون يحبّون أن يسمعوا ماذا يجري الآن داخل تركيا. لكن في هذه الدائرة، أولًا: مشروع تركيا الخاص، الخاص بها، هل نجحت تركيا في فرض مشروعها من دون الاصطدام بمشاريع الآخرين، وتحديدًا بالسياسات والمصالح الأمريكية؟
رسول طوسون: العلاقات التركية الأمريكية، كما قلت، ليس الملفات كلها متّفق عليها. تركيا تختلف مع الولايات المتحدة في ملفات كثيرة، تتضرّر تركيا. لكن إنْ كانت هناك مصالح لتركيا، وكذلك في دورها الحليف في حلف الناتو، وكذلك حليف مع الولايات المتحدة، نعم كانت هناك إمكانيات تفيد وتنفع للمصالح التركية والإقليمية. تركيا نعم تتعامل مع الولايات المتحدة بشكل مُرضٍ، لكن إن كانت هناك ملفات تضرّ المنطقة، كما هو ملف فلسطين، وكذلك الملف السوري، والملف العراقي، وكذلك الإيراني. نعم، تركيا تختلف مع الولايات المتحدة. لذلك، المشروع الأساسي لتركيا: الحفاظ على مصالح تركيا ومصالح شعبها، وكذلك مصالح المنطقة ومصالح الشعوب الإقليمية. ما عدا ذلك، كدولة كبيرة مُشارِكة في العلاقات، نعم تتعامل مع الولايات المتحدة، أما إذا رأت تركيا أية مضرّة لمبادئها ولمنافعها، نعم، تركيا رفضت وسترفض بلا شك.
كمال خلف: كل هذه الميزات لتركيا، والمديح الذي يكيله دونالد ترامب للرئيس أردوغان ولدور تركيا، لماذا إلى اليوم، أستاذ رسول، لم يُحلّ ملف يعتبر في كل الجغرافيا التي نتحدث عنها ملفًا صغيرًا جدًّا، وهو ملف "قسد" في شرق الفرات؟
إلى الآن هذا عُقدة، رغم التقارُب الكبير. ورأينا كيف استقبل الرئيس أردوغان الرئيس دونالد ترامب. عادة، مع الأسف، لا يحترم ضيوفه ويهينهم أيضًا أمام الكاميرات، لكن مع الرئيس أردوغان بقي الرجل محافظًا على توازنه. بالتالي، ما الذي يحدث في ما يتعلق بالمصالح التركية في سوريا؟ خاصة أيضًا هناك موضوع إسرائيل في سوريا أيضًا. تركيا، الولايات المتحدة الأمريكية: كيف ستوازن بين تركيا وإسرائيل؟
رسول طوسون: احترام الرئيس ترامب للرئيس أردوغان يعود إلى عهده الأول، ولايته الأولى، عندما قرّرت تركيا إطلاق عملية عسكرية باسم "نبع السلام"، كما تذكرون. أرسل ترامب رسالة وهي تحقّر أردوغان بأن لا تنطلق العملية العسكرية. فتركيا ردّت على هذه الرسالة بإطلاق العملية العسكرية في اليوم التالي. منذ ذلك الوقت، أدرك ترامب أن الرئيس أردوغان يختلف عن الرؤساء الآخرين. فلذلك، منذ ذلك الوقت، تركيا مُحْتَرمة لديه، والرئيس أردوغان يحترم الرئيس ترامب، كما رأى العالم على الشاشات في الأيام الماضية.
أما بالنسبة للمجال السوري، لاسيما موضوع "قسد"، فهو الملف الذي تختلف تركيا مع الولايات المتحدة. "قسد" جاءت بها للأسف الشديد في ولاية الرئيس أوباما في ولايته الأولى. الرئيس ترامب، كما تذكرون، أصدر تعليمات لانسحاب القوات العسكرية الأمريكية من سوريا، وقد انسحبت. لكن في اليوم التالي، كما تذكرون، عادت القوات إلى الرقّة ودعمت "قسد". "قسد"، ما هي "قسد"؟
"قسد" في الحقيقة، بنظرنا وفي نظر العالم، وكذلك اعترف المندوب الأمريكي الخاص، أن "قسد" هي امتداد تنظيم الـPKK الإرهابي في سوريا.
كمال خلف: لماذا يدعمونه إلى الآن ويضعونه في خاصرة تركيا؟
رسول طوسون: هذه هي =المشكلة. تركيا تقول للولايات المتحدة: نحن لا نريد تنظيمًا إرهابيًّا على حدودنا. هنا، انطلق مسار السلام. مؤسّس حزب العمال الكردستاني PKK، عبد الله أوجلان، أصدر تعليمات في حلّ الحزب وإلقاء السلاح، وتمّ ذلك. لكن قد أَمَرَ أوجلان كل فصائل الـPKK، بما فيها "قسد"، لكن "قسد" لم تلقِ السلاح. بالعكس، معارضة لاتفاقية 10 مارس التي أُبْرِمت مع دمشق، فلم تنفّذ أية مادة، اعتمادًا على مَن تقف وراءها من إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة. بسبب إسرائيل، هنا المشكلة الكبرى.
كمال خلف: هنا في ملف ابتزاز لتركيا؟
رسول طوسون: نعم. الولايات المتحدة للأسف الشديد كذلك الرئيس ترامب يوافق على الرؤية التركية، على رأي الرئيس أردوغان. مع ذلك، وضعوا في ميزانيتهم للسنة القادمة 2026، 130 مليون دولار دعمًا لـ"قسد". فهذا، بطبيعة الحال، يتنافى مع العلاقات الحميمة بين الرئيس أردوغان وترامب.
وتركيا الآن تنتظر نهاية هذه السنة، لأن الاتفاقية التي أبرمت بين "قسد" ودمشق مدّتها تنتهي نهاية السنة. فإذا لم تُلقِ "قسد" السلاح، وإذا لم تطبّق بنود الاتفاقية خلال المهلة، فقد أعلنت تركيا بشكل واضح أنها ستتدخّل عسكريًّا عند طلب دمشق.
كمال خلف: سأتوقف مع فاصل، مشاهدينا. ثم نفتح الدائرة الأخيرة في حلقة هذه الليلة. فاصل ونعود.
كمال خلف: تحيّة من جديد، مشاهدينا. أعود وأرحّب بضيفي الأستاذ رسول طوسون، النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية، يطل معنا مباشرة من إسطنبول. وإلى الدائرة الثالثة: البيت التركي من الداخل: أما زال أردوغان يُمسك بمفاتيح اللعبة؟
في هذه الدائرة، مشاهدينا، سنطرح ورقة الأسئلة التي سوف نطرح بعضها على ضيفنا. سيُجيبنا بشكل مكثّف وسريع وفقًا للوقت المُتبقّي.
سنطرح ورقة الأسئلة، وسأبدأ بالسؤال الأول: كيف يبدو توازُن القوى اليوم داخل حزب العدالة والتنمية بعد أكثر من عقدين وهو في الحُكم؟
السؤال الثاني: هل نشهد تحوّلات داخل الحزب بين الجناح البراغماتي والجناح الأيديولوجي؟
الثالث: ما مدى تأثير شخص أردوغان كرمز ومركز للقرار على استقرار الحزب؟ ما مستقبل التحالف القومي الإسلامي الذي اعتمد عليه أردوغان في السنوات الأخيرة؟
كيف تؤثّر الأزمة الاقتصادية على السياسة الخارجية التركية؟ هل تدفعها نحو الغرب بحثًا عن استثمارات؟ مَن هي القوى السياسية الجديدة القادرة على تشكيل بديل حقيقي للحُكم؟
هل مازال الرئيس التركي يملك السيطرة الكاملة على مفاصل القرار، أم أن هناك مؤشّرات لإعادة توزيع النفوذ داخل النظام؟
أستاذ رسول طوسون، أسئلة كثيرة. مطلوب منك، إذا تكرّمت، إجابات مختصرة حتى أستطيع أن انتقل من سؤال إلى آخر لأغطّي كافة الأسئلة.
سأبدأ من الأخير، إذا سمحت لي: أما زال الرئيس أردوغان يمسك بكل مفاتيح ومفاصل القرار، أم أن ظهرت مراكز نفوذ؟ بدأنا نسمع عن أقطاب داخل الحُكم، داخل النظام حاليًّا؟
رسول طوسون: النظام كان نظامًا يساريًّا إلى سنة 2010. بعدها، انتقال النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، وانتخب الرئيس أردوغان. فانتهى النظام الاصطلاحي. والآن، الرئيس أردوغان هو صاحب القرار الوحيد، وليست هناك قوّة كما في السابق تؤثّر على أردوغان سوى المصالح أو الرؤى.
كمال خلف: شخصيات مثل هاكان فيدان، مثل سلجوق بيرقدار؟
رسول طوسون: هذه الشخصيات كلها تتبع للسيّد أردوغان. وكما يقال، هم لا يعترضون على شيء. ربما في مجالات الاختصاص، نعم: سلجوق بيرقدار هو أخصائي خبير في صناعة الطائرات، وهو صهر له أيضًا. نعم، يؤثّر. لكن بالنسبة للقرار النهائي في تركيا، لأردوغان وحده.
كمال خلف: مستقبل التحالف القومي الإسلامي الذي اعتمد عليه الرئيس أردوغان للسنوات المقبلة؟ بعض المتحدّثين، كما نسمعهم في تركيا، يتحدّثون عن اهتزاز في هذا التحالف الذي هو قاعدة الحُكم اليوم في تركيا؟
رسول طوسون: حزب الحركة القومية حزب مستقل ويختلف عن حزب العدالة والتنمية. لكن الأهداف التي يتّفق مع حزب العدالة والتنمية، حزب العدالة والتنمية يعترف بها ويحتاج إلى دعمٍ سياسي داخل تركيا. وإن كانت رؤية تلك الأحزاب تخالف رؤية حزب العدالة والتنمية، مثلاً: الإعلان القومي، التركي والتنمية، وكذلك القوّة العسكرية وما إلى ذلك. الموضوعات التي لا تتعلّق بأيديولوجية، فنعم، التحالف مستمر. لكن هناك تأثّر: يتأثّر حزب العدالة والتنمية من بعض الرؤى، وكذلك الحركة القومية أيضًا يتأثّر بحزب العدالة والتنمية. لكن كلا الحزبين حزبان مستقلان يتمتعان بلغةٍ تتميّز بأنفسهما.
كمال خلف: حقيقة الصراع، سيّد رسول، بين جناحين في حزب العدالة والتنمية: الجناح الأيديولوجي وجناح براغماتي، وكل طرف يشدّ من عنده للسيطرة على القرار وتوجّهات الحزب؟
رسول طوسون: هذا ادّعاء. أنا أسمع من بعض المُعارضين في تركيا، والآن سمعت منكم. ليس هناك أجنحة في داخل حزب العدالة والتنمية. أنا قريب من الرئيس وأعرف ما يجري داخل الحزب. لكن هذا ربما استماع الرئيس إلى الآراء المختلفة قد يؤدّي إلى تعليق مثل هذه التعليقات في الخارج. لأن الرئيس أردوغان، من خصائصه ومن ميزاته، أنه يستمع إلى كل الرؤى، إن وافقت وإن خالفت. فأنا أذكر، على سبيل المثال، استمررنا 15 ساعة وناقشنا مع الرئيس أكثر من 40 شخصًا خالف الرأي الذي يفكّر فيه الرئيس أردوغان.
فلذلك، هذه الآراء المختلفة في داخل الحزب تُعتبر غنى للحزب. والحزب ديمقراطي، يستمع إلى الأصوات المختلفة. لكن ليس هناك أجنحة داخل الحزب. وفي الوصول إلى بعض الخرائط، لكن في داخل الحزب بعض القرارات تعود إلى النواب. فعند ذلك، نعم، الرئيس يسمح بالتصويت، فيُنفَّذ ما يخرج من التصويت. هذا لا يعتبر أن هناك جناحين.
كمال خلف: أجنحة؟ لا يُقال أن معركة خلافة أردوغان قد بدأت داخل حزب العدالة والتنمية؟
معركة خلافة الرئيس أردوغان: مَن سيخلف أردوغان في رئاسة الحزب؟
رسول طوسون: في داخل حزب العدالة والتنمية عدد كبير جدًّا الذي يستطيع أن يخلف أردوغان. لكن أردوغان مازال هو الرئيس المتّفق عليه. فالشخص الذي سيختاره أردوغان هو سيخلفه، وليس هناك أية مشكلة.
كمال خلف: الأمور مُرتّبة؟
رسول طوسون: الأمور مُرتّبة ومنظّمة.
كمال خلف: في ما يتعلّق أيضًا بالأزمة الاقتصادية في تركيا، وبعض الصعوبات التي تحصل في ما يتعلّق بالاقتصاد.
كيف تؤثّر الأزمات الاقتصادية أو المطبّات الاقتصادية - حتى لا نقول أزمات اقتصادية - المطبّات الاقتصادية في تركيا على خياراتها السياسية، خاصة في ما يتعلّق بالعلاقة مع الغرب، مع الدول الأوروبية؟
رسول طوسون: في الحقيقة، المنافس الأكبر لأردوغان في الداخل التركي هو الغلاء الذي يُهيمن على السوق. الغلاء هو الذي يهدّد أردوغان. أما المرشّحون الآخرون من الأحزاب الأخرى، فلا يستطيعون أن ينافسوا أردوغان. لكن الغلاء، وكذلك رواتب المتقاعدين - البعض من المتقاعدين والبعض من العاملين - نعم، يؤثّر سلبًا على حُكم =أردوغان. وقد رأينا نتيجة هذا التأثير في الانتخابات المحلية الأخيرة، حيث فاز حزب الشعب الجمهوري. لكن قبل ذلك، الشعب لم يسلّم زِمام الدولة إلى حزب الشعب الجمهوري، قد اختار أردوغان في أكثر من 52 بالمئة من الأصوات. هذه هي المشكلة الكبرى. لكن الشعب التركي يدرك خطورة هذه القضية، لأن تركيا أخ كمال منذ سنة 2013 قد تعرّضت لكوارث ولأحداث، لو تعرّضت أية دولة في الغرب لم تتحمّل هذه الأعباء: من محاولة الانقلاب العسكري، من الزلزال، ومن الكورونا، ومن مكافحة الإرهاب والعمليات العسكرية في الخارج وفي الداخل. فكل هذه أثّرت على الاقتصاد التركي سلبًا. مع ذلك، =المؤشّرات الأساسية مازالت تشير إلى أن تركيا مازالت هي تتمتّع باقتصاد قوي. والآن، على سبيل المِثال، الرصيد في المصرف المركزي: قد تسلّم أردوغان 20 مليارًا قبل عشرين سنة، والآن وصل هذا الرصيد إلى 134 مليار دولار. هذا رقم أساسي في تاريخ تركيا. وكذلك في التصدير والموارد، المؤشّرات الأساسية إيجابية. لكن كما قلت، الغلاء الذي يتأثّر به الناس الذين يقبضون رواتب ضئيلة، فهذا هو المشكلة.
لكن تركيا الآن تذكر قبل سنتين كان هناك الزلزال، أثّر على 14 مليون إنسان، وهدمت 11 مدينة. تركيا الآن استطاعت أن تقيم هذه المدن كلها من جديد.
بعد نهاية سنة 2026، سيرى العالم أن الاقتصاد التركي وكذلك الرواتب القليلة ستتحسّن أكثر، ونحن لا نرى أية شكوك في هذا الشأن.
كمال خلف: أنا كنت سأسألك عن المستقبل. أنت أجبت. دائمًا السؤال الأخير يكون حول المستقبل؟
رسول طوسون: الانتخابات المقبلة: إما أن يكون مرشّحه هو أردوغان، إما هو، وإما من سيخلفه.
كمال خلف: هو مّن سيُسمّي مَن يخلفه؟
رسول طوسون: بطبيعة الحال، هو مَن سيُسمّي مَن سيخلفه.
رسول طوسون: بطبيعة الحال.
كمال خلف: هو مَن سيُسمّي. طيّب، الحزب بشكل عام. وهذا السؤال الأخير: البعض يقول، أستاذ رسول، بأن حزب العدالة والتنمية شاخ بأدواته، وتظهر عليه أعراض الشيخوخة. وأيضًا، خرج منه كثير من رموزه ومؤسّسيه، أسماء كثيرة، عبد الله غول، ووزير الخارجية السابق الذي ألّف كتاب "العنف الاستراتيجي، أحمد داود أوغلو، وكثيرون خرجوا من الحزب. وهناك بالمقابل قوى صاعدة جديدة، أحزاب جديدة. بأن المستقبل القادم إما أن يجدّد حزب العدالة والتنمية شبابها ويعود لوسمته، أو ستكتسح القوى الجديدة الساحة السياسية؟
رسول طوسون: الأحزاب الحاكمة في العالم تتآكل بطول الحُكم. فنعم، حزب العدالة والتنمية أيضًا، طوال فترة الحُكم، قد ينقص منه أي شيء. لكن إذا سلّطت الضوء على نتائج الإحصاءات تكرّرت، وإذا ألقينا الضوء على نتائج الإحصائيات، فسترى أن حزب العدالة والتنمية الآن مازال هو الحزب الأكبر. لماذا؟ لأن الإجراءات والإنجازات التي حقّقها الرئيس أردوغان يجعل الشعب التركي لا ينحاز إلى طرف. فإذا سألت مَن ينتمي إلى حزب آخر: مَن سيعالج هذه القضية الاقتصادية أو العسكرية أو خارجية؟ سيقولون: هو الرئيس.
فلذلك، هناك أحداث جديدة، لكن أحداث كلها ضئيلة، اقتصاديًّا وعسكريًّا أو خارجيًّا، لا تساوي خمسة بالمئة. أنا أعرف تلك الأحزاب، حتى هناك أحزاب نشأت من داخل الحزب، حزب العدالة والتنمية، أسّسوا وقتها أحزابًا، لكنهم الآن لا يستطيعون أن يفوزوا واحدًا في المئة من الأصوات. فلذلك، الإنجازات والإجراءات التي حقّقها الرئيس أردوغان جعلت الشعب يثق به.
كمال خلف: هي ضمانة الاستمرار.
أستاذ رسول طوسون، النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية من إسطنبول، أشكرك جزيل الشكر على مرافقتك لنا في هذه الحلقة، شرّفت في "دوائر القرار"، شكرًا جزيلاً لك.
رسول طوسون: بارك الله بكم.
كمال خلف: شكرًا جزيلاً مشاهدينا، "دوائر القرار" انتهت لهذا الأسبوع. ألقاكم الأسبوع المقبل بنفس التوقيت، بمشيئة الله، إلى اللقاء.